أبعاد الإساءة
أبعاد الإساءة
من المتعارف عليه فطريًّا والطبيعي أن يبذل الآباء والأمهات كل ما في وسعهم من رعاية واعتناء لأجل أبنائهم، لكن للأسف قد يصيب الأب مرض في نفسه يجعله وحشًا، أو يصيب الأم المرض نفسه ويجعلها مثالًا للأذى، ولا يستطيعان تقديم أبسط الاحتياجات إلى أطفالهما، ويؤذيان أولادهما بلا وعي.
ويمارس الآباء والأمهات أساليب عديدة من الإساءة والإيذاء، ومنها الإساءة البدنية كالضرب، والصفع، والتحريق أحيانًا، والإساءة النفسية كالمقارنة بالأصدقاء وأفراد العائلة، والإهمال، والتجاهل، والتفرقة بين الأبناء على أساس امتيازات الجنس أو العمر، وصراع الأبوين أمام الأبناء، والإساءة الروحية؛ عن طريق التهديد بالجحيم، وفرض الشعائر الدينية ورواية قصص القبر والعذاب الأخروي على الأطفال بشكل أكبر من قدرتهم على الاستيعاب، والإساءة الجنسية؛ كالتحرش المباشر بالجسد أو باللفظ أو بالنظر، أو الاستعراض الجسدي أمامهم كالتعرِّي، وعدم إعطائهم الفرصة لرواية قصص تعرُّضهم للتحرش، أو إخضاع البنات لعملية الختان.
وكل إساءة من تلك الإساءات تُعتبر جرح هجر، حتى ولو لم تحتوِ ابتعادًا مكانيًّا، إلا أنها نزعت المرء من تربة أمانه، وبيئته الحاضنة، والبيئة في الأساس بيئة شعورية، وليست مجرد بيئة مكانية، والوطن بالنسبة للإنسان هو ذراع أبوه، وحضن أمه، وما يقومان به من احتضان واحتواء لمشاعره، وتهدئة خوفه، وغياب تلك البيئة لا يُهدِّد استقرار المرء في طفولته فقط، بل يُعطِّل نموه الطبيعي، ويهدِّد بقاءه بعد بلوغه أيضًا.
لذا فتوفير البيئة الشعورية الصحية والحب الصحي والقبول وكف الأذى عن الأطفال يجعلهم أكثر راحة وأمانًا، ولا يتخبَّطون في هذا الكون لتسكين التهديد القابع بداخلهم، فيلجؤون إلى العلاقات المؤذية حينًا، أو الانعزال المفرط حينًا، أو الإدمان؛ فالإدمان بكل أشكاله: (المخدرات، والكحول، والجنس، والإنفاق) محاولة لتسكين المرء قلقه الزائد وعدم شعوره بالأمان، لذا فالجزء الأكبر من التعافي من الإساءة هو الحصول على بيئة حاضنة، بدلًا من البيئة المُهاجرة، وهذه البيئة قد يوفِّرها طبيب مختص، أو صديق أمين، ليستكمل المرء نموه بسلاسة، ويكتسب أدوات أكثر فاعلية لمواكبة ضغوط الحياة.
الفكرة من كتاب أبي الذي أكره.. تأمُّلات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة
الآباء الجيدون يرتكبون أشياء سيئة، والأمهات الجيدات بما يكفي يرتكبن الأخطاء، لكن يتحدث الكاتب هنا عن العائلات التي ترجح فيها كفة الإيذاء عن العناية، والخطأ عن الصواب، فيبدأ كلامه بذكر أنواع الإساءة التي قد يتعرض لها الناس خلال رحلة حياتهم من خلال والديهم، وينهي كلامه بعرض خطوة التعافي من تلك الإساءات، والبحث عن الشفاء.
مؤلف كتاب أبي الذي أكره.. تأمُّلات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة
الدكتور عماد رشاد عثمان: طبيب بشري من الإسكندرية، كاتب وباحث ملتحق بدرجة ماجستير أمراض المخ والأعصاب، والطب النفسي بكلية الطب جامعة الإسكندرية، له العديد من المؤلفات، ومنها:
رواية “اقتحام”.
أحببت وغْدًا.