آليات التطبيق والتحقيق
آليات التطبيق والتحقيق
من أهم معالم الرؤية الإسلامية لتحقيق الأمن الاجتماعي صندوق التنمية بالركاز، إذ تمتلك الأمة الإسلامية ثروات عظيمة في باطن أراضيها، وقد فرض الإسلام على ما يُستخرج من الأرض (بترول وغاز ومعادن) زكاة قدرها 20%، توهب لتنمية اقتصاد المسلمين ورعاية حاجاتهم، ويراعى في ذلك ترتيب الأولويات بَدءًا بالضرورات ثم الاحتياجات ثم التحسينات، وربما كان في هذا سبيل لتحرير الأمة من الديون الخارجية التي غدت استعمارًا دونما جيوش، يسلب الأمة مواردها وحريتها وكرامتها معًا.
ومن المعالم أيضًا صندوقُ الزكاة العامة في رؤوس الأموال والتجارات والحيوانات والزراعات والحلي المدخرة، وتتفاوت نسبتها وَفق ما حددته الشريعة، فتقام مؤسسة مسؤولة عن توظيف تلك الموارد في مصارفها التي حددها الشرع، وفق خطة تنموية مدروسة، وكذلك الوقف، فمن الممكن إدخال نظام الأسهم والحصص في تكوين رؤوس المال، وتعد الأوقاف النموذج الصادق لملكية الجماعة والأمة، وقد كانت سببًا في نهضة مؤسسات المجتمع وموَّلت الحضارات في تاريخنا الإسلامي، وإن كان مجتمعًا إنسانيًّا تموَّل حضارته على نحو تطوعي أهلي، ويكون العمران فيه تقربًا إلى الله (عز وجل)، والحافز الروحي سبب تحقيق الأمن المادي لمجتمع متماسك يحيي نموذج الأمة الحق في زمن طغى فيه نموذج الدولة.
ومن تلك المعالم تحريم استثمار المال الإسلامي خارج ديار الإسلام، ففي الواقع الذي استعبدت فيه الديون الأمة الإسلامية لا يحل أن تستثمر رؤوس الأموال خارج أراضيه وتوجيه ثروات المسلمين لدعم اقتصاد دول خارجية وربما كان بعضها دولًا معادية للمسلمين، فبين عامي 1935 و1993 بلغت نسبة المال المستثمَر خارج أراضي المسلمين 670 بليون دولار في مقابل 12 بليون دولار فقط في الداخل!
الفكرة من كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
بين توُّحش الحضارة المادية بنظمها الرأسمالية أو الشمولية الشيوعية، التي أعطت الإنسان مطلق الحرية وجعلته سيدًا للكون يتصرَّف فيه كيفما شاء ويتملَّك دونما قيود، وبين زهد الدروشة والانصراف التام عن الدنيا، كان الإسلام منهجًا وسطًا لتحقيق الأمن الاجتماعي ليأمن الناس على معاشهم عن طريق تحقيق العدل المجتمعي، وفلسفة الإسلام في ذلك تأتي من نظرية “الاستخلاف”.
فالناس مستخلفون في ملك الله (عز وجل)، وكلاء عنه للتصرُّف في الموارد التي أوجدها لهم، وهذا لا ينزع حق التملُّك تمامًا وإنما يضع الضوابط عليه بما يحفظ اتزان المجتمع، يقول الإمام محمد عبده: “إن تكافل الأمة يعني أن مال كل واحد منكم هو مال أمتكم”، فنصيب الفقراء في أموال الأغنياء “حق”.
في هذا الكتاب يناقش الدكتور محمد عمارة مفهوم الأمن الاجتماعي وأهم مقوماته في الإسلام، وكيف نحقق العدل والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.
مؤلف كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
محمد عمارة (1931 – 2020): مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقِّق، كان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، وعرف بمنهجه الوسطي الجامع.
ترك ميراثًا كبيرًا من الكتب يزيد على 140 كتابًا، منها تحقيق الأعمال الكاملة لعدد من أبرز الكتَّاب مثل الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده، كما ألَّف عن أعلام التجديد الإسلامي وعن التيارات الفكرية الإسلامية قديمًا وحديثًا، ومن مؤلفاته: “أزمة العقل العربي”، و”خطر العولمة على الهوية الثقافية”، و”الحضارات العالمية: تدافع أم صراع”، و”هل المسلمون أمة واحدة؟”.