آداب التعلم
آداب التعلم
حين توسَّعت فكرة التعليم وتلقِّيه على يد علماء الكتاتيب توسَّع إدراك الأهالي ذاتهم عن كيفية اختيارهم لمعلم مسلم فاضل وقد تعدَّدت الشروط حوله، منها: أن يكون تعليمه للأطفال بهدف إصلاح جيل لله تعالى، وأن يكون صاحب خُلق حسن، وأن يكون نظيفًا ومُقتصدًا، وألا يكون مخالطًا للحكام والملوك ومُتشبِّهًا بأهل الدين والصلاح، وأن يكون مهتمًّا بكل ما هو مفيد ونافع حتى في أوقات فراغه، ويكون ساعيًا لتحصيل العلم النافع، ومؤدبًا لطلابه بحسن سيرته وعمله ويحبهم ويعذرهم لطفولتهم لو أخطأوا ويفهمهم ويستمع لهم، وأن يكون متواضعًا وذكيًّا ومجتهدًا، ولا يُعسر على طلابه الفهم أو يُثقل عليهم العلم، وأن يقول لهم لا أدري في مسألة لا يعرفها، ولا يعلم طلابه وهو منزعج أو به مرض لكيلا يضر نفسه أو طلابه.
وكذلك الطفل المسلم يجب أن تتوافر فيه عدة شروط ليتلقَّى العلم بصدر رحب وشغف، ومنها: أن يدرك هدف تعلُّمه وهو لله وحده، وللخير -لا لأي أمر زائل بل لغاية عظمى فيُعظمها في نفسه- وتشجيعه على الجد في الدراسة والنشاط في مواعيد دروسه، وألا يسأل معلمه بهدف التعجيز أو السخرية، بل يحترمه ويقدره في حضوره وغيابه ويقدِّر وقت الدرس، وألا يصاحب غير المجتهدين، وألا يبحث عن اختلافات العلماء في بداية دراسته لعلوم الدين، وأن يصبر على بعض زلات معلمه ولا يتأخر عن درسه بل يسبقه، وأن يستمع إلى مُعلمهِ بتبجيل واحترام، ولا يزيد في نومه كي لا يصاب بالكسل والخمول.
وكان الطفل يُرسَل إلى الكُتَّاب بجانب المسجد في بداية اليوم فيحفظ حزبًا من القرآن الكريم ويتعلم الكتابة والخط ومبادئ العربية والحساب الأولى، ولم تكن الكتاتيب تابعة لأي رقابة حكومية، بل كانت اتفاقًا بين المعلم والأهالي، وكان يتلقَّى الطفل تعليمه خمسة أعوام أو ستة، ويكون عمر الطفل بدايةً من السنة الخامسة حتى يصل إلى الحادية عشرة على الأكثر.
الفكرة من كتاب التربية والتعليم في الإسلام
امتدَّت الحضارة العربية الإسلامية وشملت غالب الجوانب لتأسيس حضارة عظيمة ظاهريًّا وباطنيًّا، وقامت على طابعين أساسيين؛ اللغة والدين، لذا كان لها المزيج العربي الإسلامي، وتميَّزت الحضارة العربية بأنها جمعت أزمنة متعدِّدة لعدة دول مختلفة الهويَّات والأجناس، وفي هذا الكتاب يأخذنا الكاتب محمد طلس في رحلة مشوِّقة حول الحضارة العربية الإسلامية، وبشكل خاص حول التربية والتعليم في هذه الحضارة وعوامل قيامها وأهدافها ردًّا على الزاعمين بعدم وجود أساس علمي تربوي في الحضارة العربية الإسلامية، وأنه لا أصل لوجود علماء مسلمين عرب وضعوا أسسًا للعلوم والطب والهندسة، وغيرها.
مؤلف كتاب التربية والتعليم في الإسلام
محمد أسعد طلس: هو كاتب ومفكر وأديب وسياسي سوري معروف من أهل حلب، وقد حصل على ليسانس آداب لغة عربية ثم الماجستير في بحثه عن يوسف بن عبد الهادي، ثم حصل على الدكتوراه بإشراف من الأستاذين طه حسين وإبراهيم مصطفى، وكان من كبار موظفي وزارة الخارجية في سوريا خلال خمسينيات القرن العشرين، مثَّل بلدهِ سوريا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكان مستشارًا لهيئة الأمم المتحدة في اليونان، ولهُ مؤلفات تاريخية وأدبية عديدة منها: “تاريخ الأمة العربية”، و”الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب”، و”تسهيل الإملاء بالطريقة الاستنباطية”، و”مصر والشام في الغابر والحاضر”.