هجرة الكفاءات
هجرة الكفاءات
على مدى التاريخ البشري من أوله إلى آخره لم يحفظ لنا هذا التاريخ أن أمة ما من الأمم أو حضارة من الحضارات قد قامت على غير أكتاف أبنائها، فالشعب لأي دولة هو الركيزة الأساسية لأي نهضة مستقبلية، ولطالما كان هناك ارتباط وثيق بين تأخر أي دولة وتعثرها في أذيال التخلف والتبعية والانحطاط وبين هجرة العقول منها إلى غيرها من الدول الأخرى، ولذا كان الأنموذج التنموي لدول العالم الثالث قاصرًا عن اللحاق بركب الدول المتقدمة.
غير أن مفهوم هجرة الكفاءات عادة ما يشيع استخدامه للتعبير عن الهجرة الخارجية، وهي انتقال الأشخاص ذوي العقول المبدعة من بلد إلى آخر، إلا أنه قد يستخدم كذلك في هجرة الأشخاص لتخصصاتهم العلمية أو تقاعسهم عن مواكبة التطور وتفلتهم من ميدان البحث العلمي داخل وطنهم الأم، وهي ما يطلق عليه مفهوم الهجرة الداخلية، فترى الواحد من هؤلاء لم يقرأ كتابًا أو دورية أو حتى مقالًا علميًّا منذ شهور! ويمكن القول إن المشترك الأساسي بين الهجرتين الخارجية والداخلية هو عدم الاستغلال الأمثل للكفاءات وهدر الطاقات المتاحة.
ونتيجة لذلك كانت التجارب الاقتصادية أشبه ما تكون بكتاب من صفحة واحدة متكررة تقوم على التقليد الأعمى لمناهج من هنا أو هناك، دون الأخذ في الاعتبار اختلاف المعادلة المجتمعية والثقافية بين الدول وبعضها ببعض، ومن ثم كانت النتائج مخيبة للآمال، مما أوصلنا في النهاية إلى حالة من الضباب وانعدام الرؤية، وكلما زادت حالة الفقر والعوز كان المجتمع أقل مقاومة لهجمات التغريب وسلب الهوية الثقافية، أضف إلى ذلك غياب الأفراد المبدعين فهم يؤدون دورًا مزدوجًا، فمن ناحية يمثلون قاطرة التنمية، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارهم بمنزلة وسائل مناعية ضد الهجمات الفكرية المضادة.
الفكرة من كتاب الحرب الحضارية الأولى
يتلقف العالمَ اليوم الكثير من التجاذبات والصراعات، كما يعج كذلك بالعديد من التحليلات ما بين معسكر متفائل هنا وآخر متشائم هناك، لذا يسعى هذا الكتاب إلى العودة قليلًا إلى الوراء لسبر أغوار الماضي، ومحاولة تجاوز حتمية الاصطفاف بين أحد المعسكرين، واتخاذ موقف انتقائي لتوصيف مثالب هذا النظام العالمي القائم على هيمنة الحضارات وصراعها مع بعضها بعضًا.
مؤلف كتاب الحرب الحضارية الأولى
د. المهدي محمد المنجرة: اقتصادي وعالم اجتماع مغربي مختص في الدراسات المستقبلية، يعدُّ أحد أكبر المراجع العربية والدولية في القضايا السياسية والعلاقات الدولية، وُلد في الـ13 من مارس عام 1933م في الرباط في المغرب، التحق بجامعة كورنيل الأمريكية وتخصص في البيولوجيا والكيمياء، وفي عام 1954 واصل دراسته العليا بكلية لندن للاقتصاد للحصول على درجة الدكتوراه، وبعد عودته إلى المغرب عُين محاضرًا أكاديميًّا بالعديد من الجامعات المحلية والدولية، كما التحق بالعديد من المنظمات الدولية كاليونسكو والاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية، وحصل خلال مسيرته على جوائز عالمية منها جائزة الأدب الفرنسي من جامعة كورنيل، ووسام الاستقلال من الأردن، توفي في الـ13 من يونيو من عام 2014.
من أبرز مؤلفاته: “نظام الأمم المتحدة”، و”من المهد إلى اللحد”، و”القدس العربي”.