نشأة الرأي العام
نشأة الرأي العام
كان لتزايد التدخل الأجنبي وسوء الأوضاع سبب لانتشار الحركة الفكرية برعاية جمال الدين الأفغاني وتلاميذه، فبدأ يتشكل وعي سياسي تمثل في الاهتمام بالأحوال السياسية للحكومة واللجنة الأوروبية، بجانب متابعة ما يقع في العالم الخارجي بين دوله الكبرى.
وكان التردي الأخلاقي والفساد الاجتماعي بلغا مداهما الأقصى، بسبب انتشار بيوت الدعارة والخمارات على أيدي الأجانب وعجز الحكومة عن التدخل، والتزايد المستمر للضرائب لجباية عجز الميزانية عن تسديد أقساط الدين، وأثقل نظام العمل بالسخرة في مشاريع لا تعود على البلاد بالنفع كاهل الأهالي، وبدؤوا يجهرون بالشكوى.
وصل جمال الدين الأفغاني إلى مصر حاملًا معه نور التغيير، واستقبلته مختلف الجهات بالترحاب، وسمح له بالمحاضرة في الجامع الأزهر، وبدأ ينشر العلوم العقلية كالسياسة والفلسفة وأعاد إحياء الفكرة الدستورية، ثم ظهرت الصحافة الحرة بتشجيع من الخديوي سرًّا، فبدأ يعلو صوت المعارضة تدريجيًّا بانتقاد الأوضاع.
ولكن لم يمنع ذلك أن تسوء الأحوال المالية أكثر، فاتخذت اللجنة قرارًا صدقت عليه الحكومة بتسريح 2500 ضابط دون دفع مرتباتهم المتأخرة، مما أدى إلى مظاهرة احتجاجية لفرض مطالبهم في الإصلاح، ااستفاد منها الخديوي وقام بإقالة اللجنة والحكومة، وأعلن وقوفه علنًا مع مجلس النواب في مطالبه بسلطة فعلية في التشريع والمراقبة، وحصر التدخل الأجنبي في المراقبة المالية تحت إشراف النواب، وتشكيل حكومة وطنية مسؤولة أمام الأمة عن الخروج من تلك الظروف الصعبة.
وتم تشكيل حكومة شريف باشا، ووضعت إعلانًا دستوريًّا أساسيًّا وقانونًا جديدًا للانتخابات النيابية، عد ذلك حجر أساس حياة سياسية ونيابية جديدة، ولكن سرعان ما أجهض المشروع بفرمان عزل الخديوي إسماعيل وتولية توفيق.
الفكرة من كتاب تاريخ مصر الحديث: من محمد علي إلى اليوم
التاريخ ليس مجرد نقل للأحداث، بل هو فن الوصول إلى الحقيقة، عن طريق وسائل يتبعها مؤرخ ذو عبقرية فذة وبصيرة ثاقبة، يتتبع الخطوط حتى يصل إلى رسم المشهد الكامل، مبرزًا الأحداث المؤثرة ومحللًا لأسبابها ومعددًا لنتائجها دون الغرق في تفاصيل كثيرة هامشية لا صلة لها بالحدث، ولأن مصر من الدول القليلة التي تتابعت عليها الأحداث الجلل بصورة مكثفة في فترات زمنية قصيرة، احتل تاريخها القديم والحديث أولوية اهتمام المؤرخين.
مؤلف كتاب تاريخ مصر الحديث: من محمد علي إلى اليوم
محمد صبري: ولد الدكتور بالقليوبية في عام 1894م، وتنقل بسبب عمل والده مفتشًا بين القرى الزراعية، ونشأ محبًّا للأدب والشعر، لدرجة تأخر حصوله على شهادة الثانوية بسبب اهتمامه بالقراءة وكتابة الشعر، احتك فيها بأدباء وشعراء عصره كالمنفلوطي وحافظ إبراهيم، سافر لدراسة التاريخ الحديث في جامعة السوربون، وحصل فيها على الدكتوراه عام 1924م.
عينه سعد زغلول سكرتيرًا ومترجمًا للوفد المصري بمؤتمر السلام لبراعته باللغات الأجنبية، كان همه الأول الكتابة عن تاريخ مصر الحديث لإبراز هويتها القومية، فهدف لكتابة أربعة مجلدات عن التاريخ الحديث لمصر، نجح في إخراج جزأين فقط، ثم انشغل بعدة أدوار معرفية وأدبية أخرى، ولكن لم يوقفه ذلك عن اهتمامه بالأدب، فأصدر سلسلة أدبية “الشوامخ ” عن شعراء ما قبل الإسلام.
توفي في عام 1978م بعدما عانى من عدة مشكلات أسرية ومالية، وسط تجاهل كبير لما قدمه في خدمة بلاده.