من المتوحش؟
من المتوحش؟
بدأت دعاوى إبادة الهنود الحمر عندما لم يكن في أمريكا أكثر من ألفي مستوطن من الإنجليز وزادت دعواتهم عندما رحب بهم الهنود الحمر وعلموهم سبل العيش في طبيعة الأرض الغريبة عليهم، وكان مفهوم الحرب لدى الهنود الحمر مختلفًا تمامًا عنه لدى الإنجليز، فقد كانت أشبه باستعراض للقوة والشجاعة لا القدرة على القتل، وربما تتنازع القبائل لسنوات ولا يقع من القتلى ما يتجاوز أصابع اليد، وإعلان السلام لا يعني سوى إعلان السلام، أما لدى المستعمر فلم يكن إلا فرصة للانقضاض على غفلة عندما يأمن الطرف المهادن، ولعل مما يعبر عن أخلاقيات الهنود في الحرب الكلمة التي ألقاها أحدهم أمام أحد المستعمرين: “إننا نريد أن نعيش معكم بسلام كما عشنا مع غيركم من الشعوب، لو أننا فكرنا في أن نحاربكم سنعلمكم بذلك سلفًا وسنبين لكم الأسباب التي نريد أن نحاربكم من أجلها، فإذا أبديتم ما يقنعنا أو يعوضنا عن الأضرار التي سنحاربكم من أجلها فإننا لن نحاربكم..”.
أما الإنجليز فكانوا من خلق عادة سلخ فروة الرأس في معظم حروبهم لإثارة الذعر في نفوس الشعوب بَدءًا من أيرلندا وحتى الهنود الحمر، وكان تعليق الرؤوس المقطوعة على جانبي الطريق للاستئناس وفرض الهيبة! وفي عام 1694 كانت أقدم مكافأة تصرف لمن يأتي بفروة رأس هندي، وارتفعت قيمة المكافأة حتى أصبحت تعادل أربعة أضعاف متوسط الدخل السنوي للمزارع، ما جعل الناس يتنافسون على قتل الهنود لتكوين الثروة.
وكان التمثيل بالجثث للتسلية والمتعة، وكانت تجمع الحشود للمشاهدة والاستثارة في حفلات جماعية من التمثيل بأجساد الهنود وتروي شهادات الجنود أنفسهم عن فظائع تم ارتكابها من بقر لبطون الحوامل وقطع للأعضاء التناسلية للرجال وتحويلها أكياسًا للتبغ، وكانت هذه من أبرز علامات الرجولة والفروسية، وكانت مما يتهادى به الناس في أعياد الميلاد، أما فروج النساء فكانوا يشدونها على سروج الخيل أو تعلَّق كالنياشين!
الفكرة من كتاب أميركا والإبادات الجماعية
“تاريخنا مكتوب بالحبر الأبيض، إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين، ويا الله! ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض، هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون، فإن جلادنا المقدس واحد”.. بهذه الشهادة لمايكل هولي أحد نشطاء هنود شعب سو عام 1996 يبدأ منير العكش كتابه الذي يجمع فيه عددًا كبيرًا من الشهادات لمعرفة تاريخ الشعوب الأصلية في أمريكا من الهنود الحمر، تاريخ مائة واثني عشر مليون إنسان لم يبقَ منهم سوى ربع مليون في أول القرن العشرين، في الوقت الذي يوهمنا فيه تاريخ المنتصر بروايات الأرض الفارغة، ووحشية الشعوب الهندية، والخسائر الهامشية في سبيل تحقيق أقدار الله.
مؤلف كتاب أميركا والإبادات الجماعية
منير العكش: ناقد وباحث وأستاذ الإنسانيات ومدير الدراسات العربية في جامعة سفك في بوسطن، ومؤسس مجلة “جسور”، كان لتاريخ الهنود الحمر نصيب كبير من اهتمامه وبحوثه بالإضافة إلى ظاهرة الصهيونية غير اليهودية.
ألف كثيرًا من الكتب منها: “أميركا والإبادات الجنسية”، و”عن الشعر والجنس والثورة” بالمشاركة مع نزار قباني، و”الثقافة ومقاومة الموت”.