من الأم نتعلم الحب
من الأم نتعلم الحب
الأمومة أهمُّ مسعًى إنساني، وحب الأم هو الخبرة الأولى للحب، وتكتسب الطفلة من رعاية أمها كيفية شعورها نحو نفسها طوال الحياة، وللأمومة ثلاثة متطلبات أساسية، هي الرعاية والحماية والتوجيه، وفي حالة حرمان الطفلة من أحد تلك الاحتياجات فإنها تعاني أعراض التعلق غير الآمن خلال نموها في غياب حماية الأم، كما تشعر بالخوف والقلق المستمر في غياب توجيه الأم، وتنقصها بوصلة داخلية توجه اختياراتها، فالأطفال يحتاجون إلى الأم، إنها حاجة بيولوجية في أجسامهم وأدمغتهم، وإذا لم يتلقوا أمومة كافية يستمر لديهم الشوق إلى الحب. ويَصِف مصطلح «الجُوع إلى الأمومة» شعور تقدم الفتاة في السن مفتقدة عاطفة الأم والأمن العلائقي، ويعبر عن الشوق الشديد إلى نوع معين من الحب، ويظهر هذا «الجوع» كفراغ في الروح يستعصي وصفه، وهو ليس اضطرابًا في التعلق، بل خسارة تنشأ من نقص رعاية الأم أو حمايتها أو توجيهها في مرحلة الطفولة المبكرة.
وتُهيئ المتطلبات الأساسية لرعاية الأم لنمو عقل قوي سليم لديه استعداد للألفة والتعلم، وعندما لا تُلبَّى تلك الاحتياجات ينشأ الجوع إلى الأمومة، والخبرات التي تؤدي إلى الجوع إلى الأمومة تحدث للطفلة قبل تكوين اللغة، عندما كانت رعاية الأم هي عالمها، فإن لم تستجب الأم لاحتياجاتها وكان وجودها بجانبها غير كافٍ، يحتفظ جسدها بتلك الذكريات والتناقض والخوف والغضب وإن غابت الذكريات الواضحة لتلك الفترة عن الدماغ، ويسمى ذلك بالذاكرة الدفينة أو الذاكرة الضمنية، ويتكون اعتقاد لدى الطفلة مضمونه «العالم مخيف وأنا وحيدة تمامًا»، وحينها يستجيب الجهاز العصبي باستجابة الخوف، واستمرار الخوف وحدوثه بانتظام يؤدي إلى بناء جسم وعقل مستعدين للخطر، ومحتاجين إلى الحب بشدة، لكنهما يخافان الاتصال البشري.
ويحتاج حديثو الولادة إلى القرب الجسدي من الأم البيولوجية، ليستمر بقاؤهم على قيد الحياة، فتعتمد الوظائف الحيوية لدى الرُّضَّع على اللمسة والتقارب البشري، وعندما تبكي الطفلة ولا تعبأ والدتها بها، أو تستجيب لها بغضب وتذمر، لا تتوقف حاجتها إليها، بل تكبتها، وتشتد حاجتها إلى رعاية الأم، ويخزن الجسم ذكرى الألم العاطفي، وعندما تكبر تظل الطفلة الخائفة أو الوحيدة بداخلها، وتواجه مشكلات في الجسد والعلاقات والعمل.
الفكرة من كتاب الجوع إلى الأمومة: في سبل معالجة الفقدان والتعافي منه
كيف يمكن وصف الشعور بالرغبة في شيء ما أو شخص ما لتسكين الشعور بالوحدة؟ وكيف يمكن التخفّف من عبء حزن عميق غير ظاهر يصعب الاعتراف به؟
يمكن وصف هذا الشعور بمصطلح «الجوع إلى الأمومة»، مصطلح صاغته الكاتبة لتعبر عن فقد النساء لحب أمهاتهن، فيكبرن يبحثن عن نوع معين من الحب، حب غير مشروط، مراعٍ، آمن، ملهم، وهو الحب الذي يحتاج إليه الإنسان لينطلق بقوة في الحياة، ونتيجة لهذا الفقد يشعرن بفراغ داخلي يبحثن عما يملَؤُه، فتوضح الكاتبة منشأ هذا الفقد وعلاقته بالتعلق بالأم في الطفولة، كما تُرشِد إلى كيفية تعويض هذا الفقد والتعافي منه.
مؤلف كتاب الجوع إلى الأمومة: في سبل معالجة الفقدان والتعافي منه
كيلي ماكدانيال: مستشارة مهنية متخصصة في علاج إدمان العلاقات والتعلق غير الآمن والحرمان من حب الأم لدى النساء، حصلت على درجتَي ماجستير إحداهما في الأدب الإنجليزي من جامعة جورج تاون، والأخرى في الإرشاد من جامعة سانت ماري، ولديها كتاب آخر بعنوان: «Ready to Heal: Breaking Free of Addictive Relationships»
معلومات عن المترجم:
منير عليمي: شاعر ومترجم تونسي، ومدير النّشر في مؤسسة صفحة سبعة للنّشر والتوزيع، ومترجم في دار «ملهمون»، ومؤسس لملتقى دراسات الترجمة، نال جائزة «أيام قرطاج الشعرية» على المجموعة الشعرية «مقبرة على قيد الحياة»، وترجم أعمالًا عديدة منها: «عزلة صاخبة جدًّا»، و«سجن بلا سقف».