مصر ومياه النيل والفقر
مصر ومياه النيل والفقر
مسألة المياه دائمًا ما تشكل لمصر وحكوماتها أزمة على مر القرون، فهناك قلق مستمر من مخاطر نقص المياه بشكل عام وذلك بسبب الوضع الجيوسياسي لمصر، فمصر عبارة عن واحة كبيرة في وسط الصحراء، ويعيش سكانها حول الشريط الأخضر الممتد من جنوبها إلى شمالها، ومن أجل فرض مصر سيطرتها على منابع نهر النيل ضَمَّ محمد علي باشا السودان إلى مصر، وأرسل الخديوي إسماعيل جيوشه إلى إثيوبيا، وبعد انفصال السودان عن مصر في الخمسينيات شيَّد عبد الناصر السد العالي ردًّا على انفصال السودان، ومنعًا لأي محاولة للضغط المائي على مصر من جانب دول حوض نهر النيل في الجنوب.
بناءً على ذلك فإن شاغل المسؤولين في مصر دائمًا هو الاحتياطي المائي، وهي رؤية ذات بعد واحد، لذلك عند دراسة مفهوم الفقر المائي في مصر، لا بد من استخدام مفهوم (الفقر الهيدروليكي) لأنه يتيح لنا فهم قضية المياه بصورة أوسع وأعمق، وينبني الفقر الهيدروليكي على خمسة عناصر (الاحتياطي المائي، والمساحة السياسية، والوصول إلى المياه، والقدرة، والمشاركة)، وبناءً على ذلك فإن الاحتياطي الإجمالي للمياه ليس وحده المؤثر في حجم الفقر المائي، ومثال على ذلك الدول الخليجية، فاحتياطياتها من المياه منخفضة جدًّا، ومع ذلك ليس لها أي تأثير في مستويات الفقر، وبالنسبة إلى الحالة المصرية، فإن وجود احتياطي عالٍ من المياه لا يكفي للقضاء على الأزمة، لأن مخاطر نقص منسوب النهر أقل بالمقارنة مع المصاعب التي يواجهها عدد كبير من المصريين في الوصول إلى مياه نظيفة وصالحة للشرب، فالفلاحون وهم الفئة التي تعيش بالقرب من مصادر المياه كالنهر والترع المتفرعة منه، هم أكثر الفئات التي تعاني من ضعف شبكة مياه الشرب وارتفاع نسبة التلوث فيها!
إن مشكلة المياه في مصر هي في الأساس مشكلة في التوزيع العادل للمياه، وسهولة النفاذ إلى مياه نظيفة وصالحة للشرب، ففي المدن والأقاليم هناك صعوبة في الوصول إلى المياه بسبب ضعف البنية التحتية أو غيابها، وفي القرى والأرياف لا توجد مياه نظيفة وصالحه للشرب، وعند أخذ عنصري (القدرة والمشاركة) في الاعتبار في مفهوم الفقر الهيدروليكي نجد أن الفقر ينتج من فقدان القدرة البدنية، لا سيما الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فالفقر الاقتصادي يفاقم الفقر الاجتماعي، ويساهم الفقر الاجتماعي في الحط من الكرامة والقدرة الفردية، والفقر الاجتماعي يمنع الحصول على الحقوق السياسية الأساسية كالحق في المشاركة السياسية المتعلقة بإدراة الموارد، ومن ثمَّ فإن الفقر ينتج فقرًا، وللتغلب على الفقر لا بد من كسر هذه الدائرة الديناميكية.
الفكرة من كتاب أزمة المجتمع الريفي في مصر نهاية الفلاح؟
يعتبر قطاع الزراعة في مصر واحدًا من أكثر القطاعات إنتاجية في العالم، ومع ذلك فإن مصر تعد أكبر المستوردين للمواد الغذائية والمنتجات الزراعية، كما يعد الفلاحون المصريون أكثر الفلاحين فقرًا في العالم، وهنا تكمن المفارقة، فغالبية الفلاحين يعيشون تحت خط الفقر، ما يعني أن مصر أمام مشكلة كبيرة تتمثل في عملية انقراض جماعة الفلاحين، وهو ما أصبح أمرًا حتميًّا لا مناص منه، ومن هنا يستعرض الكاتب الأسباب والسياسات التي تقف وراء فقر الفلاحين وتدهور أحوالهم بداية من النصف الثاني من القرن العشرين، وأهم السياسات التي يجب أن ينتهجها المسؤولون للحد من ظاهرة انقراض الفلاح.
مؤلف كتاب أزمة المجتمع الريفي في مصر نهاية الفلاح؟
حبيب عايب: جغرافي وباحث بمركز الدراسات الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو متخصص في المشكلات الخاصة بالمياه والمجتمعات الريفية، له عدّة دراسات مقارنة في كل من مصر وتونس، وله عدد كبير من المقالات والكتب، كما شارك مع أوليفييه أرشمبو في إخراج فيلم تسجيلي بعنوان “تقاسم المياه على ضفاف النيل”، من كتبه:
Food Insecurity and Revolution in the Middle East and North Africa: Agrarian Questions in Egypt and Tunisia.
Agrarian Transformation in Arab World.
معلومات عن المترجمة:
منحة البطراوي: كاتبة وناقدة مصرية، تعمل ناقدة مسرحية في جريدة الأهرام الفرنسية، وكاتبة صحفية في الهندسة المعمارية والعمارة الداخلية في مجلة “البيت”، من ترجماتها:
التحضُّر العشوائي.
كما حررت كتاب:
الحِرف التقليدية في مصر بين التراث والاستلهام.