مركزية الحضارة والمدنيّة
مركزية الحضارة والمدنيّة
يعتمد كل خطاب فكري على بعض المُسلّمات أو الأصول التي يتفرّع منها هذا الخطاب، وضرورة كشف هذا الأصل تكمن في فهم النتائج ومعرفة الدوافع، لذا في بداية الحديث عن الخطاب المدني لا بد أن نفهم الأصل الذي بُني عليه، فالنواة الأساسية التي حدث منها الانقلاب المعياري هي المغالاة في قيمة المدنية والحضارة بتعريفها المادي، أي أن النموذج التفسيري الذي يُقدّم الإجابة حول تطبيقات الظاهرة المدنيّة هو غاية الحضارة ومركزية المدنية.
إن الغلو المدني ينبوع الانحراف الثقافي، ومن ثم يُحيّد الوحي تدريجيًّا لأنه لا يدفع مباشرةً نحو المدنية الدنيوية المادية، وهذا الغلو يُثمر في قلب صاحبه تعظيمًا للثقافة الغربية الحديثة لتفوّقها المادي، وبهذا تغيّر هرم الأولويات، فمن يرى أن الأولوية للمادية المدنية غير من يرى أن القيمة المركزية هي التزكية والبناء الأخروي.
وهناك بعض الظروف التي شكّلت هذا الغلو وهي: مناخ سبتمبر، والضخ الفرانكوفوني، وحفاوة وسائل الإعلام، ورد الفعل تجاه البغي الإلكتروني.
ففي أحداث سبتمبر جُعل الاتجاه الإسلامي محلًّا للاتهام، وتراجعت شعبيته، ومقابل ذلك برزت المدرسة الفرانكوفيّة، ويُقصد بالفرانكوفيّة التيار الحداثي العربي المُتأثر بالمضامين الاستشراقيّة الفرنسيّة مُستخدمًا هذه المضامين في تأويل التراث الإسلامي، فأُعيد تفسير التراث من خلال أدوات العلوم الإنسانيّة الحديثة.
كما حاول بعض المسلمين بحسن نيّة إثبات أن الوحي والتراث يتضمنان أولية الحضارة والمدنية، فأخذوا يبحثون في مضامين الوحي والتراث عن ما يتوافق مع المدنية الحديثة وجعل المقصود النهائي عمارة الأرض وإقامة الحضارة، فما الإشكاليات المُترتبة على هذا القول؟ وما حقائق الوحي التي أضاعها هذا الخطاب؟
الفكرة من كتاب مآلات الخطاب المدني
“رأيت إسلامًا بلا مُسلمين” هذه المقولة المعروفة التي تتردد كثيرًا على ألسنة عامة المسلمين، ما مدى صحّتها؟ وما الدوافع التي تشكّلت لتقريرها بين المجتمعات المُسلمة؟
إن الكثير من الخطابات المنتشرة بين عامّة المسلمين تحتاج إلى الوقوف على حقيقتها ومآلاتها، فقد تبدو في ظاهرها لا شيء عليها، إلا أن أصولها ترتكز على الكثير مما يناقض الوحي، وسبب عدم الشعور بذلك هو ضعف الرجوع إلى الوحي في تحكيم كل خطاب، وعدم الرجوع إلى الوحي في التشكيل الفكري.
لذا يأتي الكتاب في محاولة لتحليل وكشف “الخطاب المدني” ويُقصد به الخطاب المنهزم أمام الثقافة الغربية، الذي يحاول تفريغ الإسلام من مضامينه ليوافق هوى الثقافة الغربية، فيأتي الكتاب ليُحكّم هذا الخطاب إلى الوحي، مُبيّنًا كيف يتعارض هذا الخطاب مع أصول الوحي ومضامينه.
مؤلف كتاب مآلات الخطاب المدني
إبراهيم عمر السكران: باحث ومُفكِّر إسلامي سعودي الجنسية، درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سنة واحدة، ثم تركها واتجه إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء، ثم حصل على درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي في جامعة إسكس ببريطانيا.
من أبرز مؤلفاته:
سلطة الثقافة الغالبة، الماجريات، الطريق إلى القرآن.