ليست مواد كيميائية فقط!

ليست مواد كيميائية فقط!
هل تعتقد أن الإدمان يتوقف عند المواد الكيميائية فقط؟ هذا ليس صحيحًا! لا يقتصر الإدمان على المواد الكيميائية المغيرة للمزاج، وإنما يمتد إلى بعض السلوكيات كإدمان القمار، وإدمان الممارسات الجنسية، وإدمان الطعام. وهنا يأتي السؤال، لماذا تتحول سلوكيات نفعلها يوميًّا بشكل طبيعي إلى إدمان؟ يحدث الإدمان عندما تتوافر بعض الخصائص في السلوك الذي نمارسه. إذًا ما هذه الخصائص؟ هذا ما سنراه في كل سلوك على حدة، ودعنا نبدأ بإدمان القمار، والقمار -لمن لا يعرفه- هو المخاطرة بالمال أو الأشياء الأخرى الثمينة على أمل الفوز بشيء أكبر، والخصائص الثلاثة الدالة على الإدمان في القمار هي: الاستمرار رغم الخسائر المادية والاجتماعية والصحية، وتكريس كل الوقت والجهد والممتلكات للقمار، وفقدان السيطرة على النفس كأنك تحت تأثير قوة قهرية.

وننتقل إلى النوع الثاني من الإدمانات السلوكية وهو إدمان السلوكيات الجنسية، الذي يأتي في صورة حلقة إدمانية لها أربعة أجزاء، أولها الانشغال الزائد بالجنس، فتكون كل مشاعر الفرد وأفكاره وخيالاته متمركزة حول الجنس، وثاني أجزاء الدائرة الإدمانية ممارسة طقوس معينة من أجل إشباع التجربة، كارتداء ملابس معينة أو الوجود في أماكن معينة، أما الجزء الثالث من الدائرة فيمثل فعل سلوك جنسي قهري، ورابعًا وأخيرًا الشعور بالخزي واليأس، فبعد قمة النشوة التي يصل إليها الفرد في الأجزاء السابقة يهبط هنا إلى قاع الخزي والندم، ثم يحاول أن يهرب من هذه المشاعر بالبحث عن النشوة مرة أخرى، وهكذا تستمر الدائرة.
والآن يأتي دور نوع جديد من الإدمانات السلوكية وهو إدمان الطعام، الذي يأتي في ثلاثة أنواع، أولها الإفراط في الأكل بشكل زائد مع فقدان القدرة على ضبط النفس، والاستمرار رغم الأضرار، وقد يكون على هيئة زيادة كمية الأكل، أو زيادة سرعة الأكل، أو زيادة عدد التصبيرات بين الوجبة والأخرى، أو زيادة الأكل في أوقات معينة كالامتحانات، أو الأكل على سبيل التخزين كالإفراط في الأكل قبل بدء الصوم. والنوع الثاني من إدمان الطعام هو فقدان “الشهية العصبي | Anorexia”، وهو يصيب الفتيات في سن المراهقة بشكل خاص بسبب انشغالهن الزائد بصورتهن الجسدية، ودائمًا ما يشعرن بأن وزنهن زائد بشكل كارثي، ولهذا يمتنعن عن الأكل بشكل قاسٍ، لكن في الحقيقة وزنهن قد يكون طبيعيًّا أو قد يكنَّ مصابات بالنحافة أصلًا. أما النوع الثالث فهو “فوضى الأكل | Bulimia”، ويعني التهام كميات كبيرة من الطعام، ثم إتباعها بمحاولات كثيرة للتخلص من هذه الكميات عن طريق التقيؤ أو استخدام المُلَيِّنات.
الفكرة من كتاب المخدرات والإدمانات الأخرى.. ما هي؟ وما أسباب تعاطيها؟ وما مضاعفاتها؟
المخدِّرات! هذه الكلمة المخيفة التي لا ننطقها في سلام أبدًا، إنها ليست مجرد حروف يرتص بعضها بجوار بعض لتكوّن كلمة، وإنما هي سلاسل وأغلال وسعير تجتمع لتصبح سجنًا أشبه بالجحيم، لنترك مخاوفنا وتخيلاتنا ونذهب إلى العلم ونسأله.. لماذا لا ننطق الكلمة في سلام؟ وماذا تكون المخدِّرات وغيرها من الإدمانات؟ أهي فقط مواد كيميائية أم تمتد إلى أكثر من ذلك؟ ولماذا يلجأ إليها البعض ويلقي بنفسه في التهلكة؟ وما الذي يلقاه المدمن في نهاية إدمانه؟ دعونا نرَ هل الحقائق العلمية مخيفة كما في خيالنا أم سنعرف أشياء مغايرة!
مؤلف كتاب المخدرات والإدمانات الأخرى.. ما هي؟ وما أسباب تعاطيها؟ وما مضاعفاتها؟
د. إيهاب الخراط: استشاري الطب النفسي، تخرج في كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1982، وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة «كنت» بإنجلترا، وهو مؤسس مؤسسة الحرية لعلاج الإدمان وإعادة التأهيل ومديرها، وتضم المؤسسة 38 مركزًا علاجيًّا وتأهيليًّا، بالإضافة إلى كونه الرئيس السابق للتجمع العالمي للتعامل مع التعاطي والإدمان الذي يضم أعضاءً من 75 دولة.
من أعماله:
التعافي من الإدمان.. أساسيات المشورة وإعادة التأهيل.