فصاحة الحوار
فصاحة الحوار
المحاور فصيح الحديث ليس هو الغريب في كلماته، بل على النقيض فهو البسيط الواضح ذو البيان القوي في معانيه وحديثه، فيجعل من حديثه سحرًا لمستمعيه، فقد قال الجاحظ: “البيان ترجمان العقول، وصقل العقول”، وهو أيضًا من يتكلم على قدر الحاجة، ليس سريعًا فلا يُفهم ولا بطيئًا فيُملُّ منه، ويعلم كيف يُنصت لغيره باهتمام واحترام، بل إن حديثه محل اهتمام ومشوق مُزين بفصاحة القول والحقائق، واثق من صحيح أدلته غير متباهٍ، بسيط ومفهوم في إيجاز ووضوح، فقد قال جعفر بن يحيى البرمكي: “إن استطعتم أن يكون كلامكم مثل التوقيع فافعلوا”.
ومن فصاحة الحديث أيضًا ألا تقتصر النقاش كله على مدى اتزان وترتيب كلماتك، بل عليك أن تتوقَّف لتستمع للآخر باهتمام واحترام لرأيه الذي قد يكون مُناقضًا لرأيك، فالمُستمع الجيد هو من يستمع باهتمام للآخر بأذنه وعينه، ويحضر قلبه وألا ينشغل بالاستعداد بالرد المُهاجم له، وينتظر الآخر أن ينهي حديثه بإنصات، ويفهم غاية النقاش بجدية وعدم تسرُّع شخصي أو انفعال على الآخر، ويجب أن يكون نقاشك متزنًا بين الإنصات والكلام، فبعض الصمت خجل غير محمود وقد لا يكون في موضعه، فقد قال أحد حكماء العرب: “إذا جالست العلماء فأنصت لهم، وإذا جالست الجُهَّال فأنصت لهم أيضًا، فإن في إنصاتك للعلماء زيادة في العلم، وفي إنصاتك للجُهَّال زيادة في الحِلم”.
والذي يجعل حديثك مُتخلخلًا هو تمركزك حول نفسك وحديثك، وأنك الأفضل في الحديث، والأعلم من غيرك، كل ذلك يجعل منك شخصًا مُتحدثًا بلا توقف، فلا تستمع لغيرك وتُقاطع الآخرين دائمًا، تقول لنفسك هم لا يعرفون ولا يفهمون ما أعلم، هذا في النهاية يجعل منك مُحاورًا ينفر منه الجميع وينفضُّون من حوله، ولكي تتخلَّى عن هذه الفكرة عليك أن تفعل مثلما فعل أمرسون حين قال: “كل رجل أقابله هو أفضل مني بطريقة ما، ومن هنا أستطيع أن أتعلم منه”، عليك أن تراجع نفسك وأنت تتحدث، وأن تراعي فترة حديث غيرك، وبذلك أيضًا يحترمك الآخر أثناء حديثك دون مقاطعة أو استخفاف بك.
الفكرة من كتاب كيف تحاور؟
تعتمد طُرق تواصلنا مع الآخرين على الحوار، ولأن الإنسان خُلِق بالفطرة يريد التحدث ويريد من يستمع له، والله (عز وجل) لم يخلق الإنسان عبثًا، فرسَّخ في فطرته وأنزل بمنهجيته النبوية ماهية الحوار وطُرقه، لذا كان التحاور موضوعًا شائكًا يجب التطرُّق إليه بموضوعية والاطلاع على مميزاته وعيوبه، ومفهوم الحوار ذاته، إضافةً إلى آداب الحوار في الإسلام، وهو فن يجب على الإنسان معرفته وفهمه، وبخاصةٍ مسؤولي التحاور مثل المذيعين والدُعاة وغيرهم ممن يملكون مناقشات حوارية، وأيضًا تعلم آداب الحوار وفهمه يُخرج الإنسان من شاكلة الغرق بينه وبين الجدال والمناقشة لكي يصل به في النهاية إلى حوار لبق مقبول يُفهم منه حديثه ويفهم فيه الطرف الآخر في إيجاز وبيان.
مؤلف كتاب كيف تحاور؟
الدكتور طارق بن علي الحبيب: طبيب نفسي سعودي، ولد في محافظة عنيزة في منطقة القصيم، حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الملك سعود، ثم واصل دراساته العليا في الطب النفسي في أيرلندا وبريطانيا، وتتركز اهتماماته العلمية في علاج الاضطرابات الوجدانية وفي مهارات التعامل مع الضغوط النفسية وفي علاقة الدين بالصحة النفسية.
وهو بروفيسور، واستشاري الطب النفسي، والمشرف العام على مراكز “مطمئنة” الطبية، وبروفيسور واستشاري الطب النفسي في كلية الطب والمستشفيات الجامعية في جامعة الملك سعود في الرياض، ومستشار الطب النفسي للهيئة الصحية في إمارة أبوظبي.
وله كتب عديدة منها:
التربية الدينية في المجتمع السعودي.
الفصام.
مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي.
العلاج النفسي والعلاج بالقرآن.
الطب النفسي المبسَّط.
علمتني أمي.
نحو نفس مطمئنة واثقة.