عِلمٌ وأدب
عِلمٌ وأدب
يبدأُ الأدب من التأديب، لكنَّ عملية التأديب عملية حساسة جدًّا تحتاجُ إلى فطنة، والعديد من الملاحظات، أولاها أنَّ التأديب يجب أن يكون في تهيءة الطفل للتعليم، وأن يكون قادرًا على أداء المهمة المطلوبة منه بغير تعجيز، وأن يكون التأديب هو آخر الخطواتِ وأعسر الملاجئ، وذا طابعٍ رحيم، وأن يتم استخدام تقنيات الإخماد عِوضًا عن العِقاب، وأن يكون هناك ما يُمكن التعزيز بِه للطفل، وأن يكون التعزيز فيما يُعاز، أما التجاهل فيما لا يُعاز من الأفعال، وأن لا يُنتظر من الطفل التوجه نحو هدف لم يُعزَّز، والإعداد الجيِّد والمتدرِّج للفعل المُراد أن يفعله الطفل، وهناك عدَّة طرق يسلكها الآباء لجعل الأطفال مُفعمين بالانضباط الذاتي، وأولى هذه الوسائل انضباط البيئة المحيطة بالطفل، وعدم استخدام وسائل العقاب ذاتها مع كل طفلٍ على حِدة، بل تنويع العقاب حسب اختلاف كل طفل عن الآخر، وإعطاء الطفل الحرية في استكشاف بيئته المُحيطة في البداية، ومباشرة عملية الانضباط الذاتي في الوقت الذي يصبح قادرًا عليه، والتفرقة بين التعامل مع المشاعر والتعامل مع الأفعال والاعتماد على المُحاكاة وإدراك مدى تأثيرها وقوتها في بناء الطفل، وتقديم الدعم العاطفي، وتكمن أهمية ذلك بسبب قناعة الطفل أنه لضآلة حجمه فإنه ليس كُفؤًا في التعامل مع الحياة، وأيضًا من الوسائل ترك الطفل ليتعلَّم بالعواقب الطبيعيَّة، مع الحذر من المفارقات بين العواقب بعضها وبعض، وهُناك بعض العواقب التي يجب افتعالها من حينٍ إلى آخر كحِرمان الطفل من شيءٍ مهم بالنسبة إليه، واستخدام العزل الاجتماعي، وأخيرًا استخدام الضرب، والذي بأي شكلٍ أو حال لا ينبغي أن يكون ساديًّا أو مُبرحًا، أو في مكانٍ مؤذٍ للطفل، وفي النهاية فإن الوسيلة الأكثر أهميَّة، وفاعليَّة، وأثرًا في نفس الطفل هي الحُبُّ، لِذا وإن حُرم كراهيةً من أي شيء، لا ينبغي أن يُحرم طواعية من هذا الشعور الذي هو حقٌّ له، ولكُلِّ طفلٍ في العالم.
أمَّا فيما يخصُّ التعليم فالبيت هو المدرسة الأولى للطفل، والأم هي المُعلِّم الأول، لذا يكون من ضمن دورها معه تعزيز التنبيه العقلي له على مدار هذه السنوات الخمس، وقد ذكر الكاتب العديد من التطبيقات، والخطوات العملية التي يمكن للأم استخدامها في هذهِ الرحلة، مع مراعاة تطوير الجانب الاستكشافي، وأيضًا الجانب الحسِّي والحدسي على حدٍّ سَواء، وكذلك تعزيز النمو اللغوي والرياضي، وكيفيَّة اختيار الألعاب، والكتب والتسجيلات المناسبة له.
الفكرة من كتاب طفلك قبل سنِّ السادسة: السنوات المصيرية
إن الأمومة مهنةٌ مميزة، لا يُقابلها في صنوف المِهن ما يُماثلها من أربعٍ وعشرين ساعةً من العمل بلا انقطاع، ولا تتقاضى الأم في المقابل أجرًا ماديًّا، أو تتلقَّى تدريبًا مُسبقًا في تجربة عمليَّة، حتى إنه لا يمكن اختزال هذا العمل في جملة محدَّدة، بل إنَّهُ مزيج من المعرفة المُطبَّقة مع عطفٍ ورعايةٍ وحنان، وعمليةٌ مستمرَّة من التعلُّم، غير أن المشكلة تكمُن في أن التعلم فيها إن كان بارتكاب الأخطاء في أحيانٍ كثيرة لا يمكن تلافيها مرة أخرى مستقبلًا، لِذا أعظم هديَّة يمكن أن تُقدِّمها الأم للبشرية طفل سوي سعيد.
هذا الكِتاب موَجّه إلى الأمهات اللواتي أنجبن مسبقًا ولديهنَّ طفل في عُمر ما قبل السادسة، أو أن تجربة الأمومة هذه هي تجربتهنّ الأولى، وفي كل الأحوال لا يُمكن تربية الأبناء لمُجرَّد قراءة كِتاب، بل إن التطبيق العملي، مع فهم اختلافات أطفالِها، وظروف معيشتها، هو المزيج المُراد تحقيقه من عمليَّة التربية.
خصَّ هذا الكتاب السنوات الست الأولى بالاهتمام، لأنها على عكسِ السائد ليست سنوات تكوينيَّة عاطفيَّة بحتة، وإنما هي سنواتُ تكوين عاطفي وعقلي وذهني، وقد عالج الكِتاب فكرة أساسية، وهي المفهوم الذاتي للطفل عن نفسِه.
مؤلف كتاب طفلك قبل سنِّ السادسة: السنوات المصيرية
فيتزهيو دودسون: عالِم نفس أمريكي، وُلد عام ١٩٢٣م في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند، وتُوفِّي عام ١٩٩٣ عن عُمر يناهز السبعين عامًا، له العديد من المؤلفات، وتُرجِمت أعماله إلى عدَّة لغات منها: كتاب “How to parent”، و”How to father”.
المترجم: زياد زيد الأتاسي