عن الأقدار
عن الأقدار
أقدارنا هي أشبه بالهدايا الثمينة القيمة، لكنَّ بعضها يأتي في غلاف منحة جميل مبهج، وبعضها يأتي في غلاف محنة لا يسُر، لكننا إذا فهمنا أن أمرنا كله خير كما قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم): “عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ”، تخلصنا من خوفنا من المجهول، واتخذنا –دون تردد- قرارًا بالرضا عن ربنا وعن أقدارنا كيفما كانت.
وإذا علمنا أن الله يريد بنا خيرًا، لكان ذلك أجمل شعور نعيش به، وقد لا نستيقنه إلا من خلال البلاء، وليس المقياس هو النعم الدنيوية بل المقياس هو الإيمان؛ فالله لا يؤتي الإيمان إلا لمن أحب، فمن وجد في نفسه السكينة والرضا حين ينزل به البلاء، أو وجد روحه حرة مع أن جسده مقيد بالمرض أو خلف القضبان، ووجد أن البلاء يقربه إلى ربه ويزيده إيمانًا؛ علِم أن الله يريد به خيرًا، وأما من تسخط على الأقدار وانشغل بالقلق والأحزان فعليه أن يُسارع بالتوبة، فإذا وفقه الله إليها؛ علم أنه أراد به خيرًا.
ينبغي لنا أن ننظر إلى البلاء نظرة إيجابية، لا على أنه عقوبة محضة، فالله يتودَّد إلينا بالبلاء، فإذا تعرضنا للبلاء عرفنا أن الله يريد أن يطهرنا فنرجوه أن يفرج عنا لكننا نحسن الظن به ونزداد حبًا له مهما طال البلاء، هو سبحانه أرحم بنا من أنفسنا، ويبتلينا لنراجع أنفسنا، فنستحي، فنعود ونتنبَّه بعد غفلتنا ونتودَّد لله رب العالمين، ونتذكَّر قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم…”، وألا يكون آخر همنا إذا نزل البلاء هل يُدفع عنا أم يستمر، وألا تلهينا النعم عن المُنعم، بل نفكِّر فيما يحبه الله وفي أن نسترضيه، فرضا الله غاية في ذاته، وكفى بها عقوبة مرعبةً ألا يحبَّنا!
وإذا تأملنا قول الله تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ اطمأنت قلوبنا، فأقدارنا كتبها الله بحكمته وعدله ورحمته وكرمه ولطفه، وكتبها لصالحنا وخيرنا، هو مولانا والمولى لا يرضى لوليه الذل كما في قنوت النبي (صلى الله عليه وسلم): “إنه لا يذل من واليت…”، فإن آمنا بكل ذلك كان حقًّا علينا أن نتوكل على الله ونفوض له تدبير أمورنا مطمئنين موقنين، وحين يدفعنا البلاء إلى التفكر في هذه المعاني فإننا نربح كل شيء ولا نخسر شيئًا.
الفكرة من كتاب حسن الظن بالله
يقول (صلى الله عليه وسلم): يقول الله تعالى: “أنا عند ظن عبدي بي”، فمن ظن بالله خيرًا أفاض عليه جزيل خيراته وجميل كراماته، ومن عامل الله باليقين أدهشه الله من عطائه بما يفوق خياله، فالله جل جلاله يعامل عباده على حسب ظنونهم به، ويفعل بهم ما يتوقعونه منه وفوقه.
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة نتعلَّم فيها معنى حسن الظن بالله، وكيف نحوِّل المحنة إلى منحة، وكيف نستمتع بنعمة البلاء، وكيف نستبشر بكل الأمور، وكيف نعلِّق قلوبنا بالله سبحانه ونطهرها من العتب على الأقدار، ونعرف الأُسس التي يُقام عليها حسن الظن بالله، ومنها تأمُّل أسماء الله تعالى وصفاته، وتأمُّل نعم الله، والتعلق بالدار الآخرة.
مؤلف كتاب حسن الظن بالله
إياد عبد الحافظ قنيبي: دكتور في علم الأدوية الجزيئي، حاصل على الدكتوراه من جامعة هيوستن الأمريكية ومارس بحثه في مركز تكساس الطبي، وقد شارك في براءتي اختراع في مجال التئام الجروح، وعدد من الأبحاث العلاجية في مجالات عدة، كما أنه أحد ثلاثة مراجعين أكاديميين لأكثر كتب علم الأدوية انتشارًا في العالم، وهو كتاب Lippincott Illustrated Reviews: Pharmacology في الطبعة الثامنة من الكتاب الصادرة في عام 2018، ويعمل حاليًّا في كلية الصيدلة بجامعة جرش في الأردن.
كما تلقَّى الدكتور إياد العلوم الشرعية عن عدد من العلماء بجهد ذاتي، وله مقالات ومحاضرات في مجالات متنوِّعة مثل بناء الإيمان على أسس منهجية والرد على الشبهات وسلاسل في التأملات القرآنية، ومناقشات منهجية في سلسلة رحلة اليقين، وسلسلة المرأة، ويمكن متابعة تلك السلاسل المرئية وغيرها على يوتيوب، ومن مؤلفاته: متعة التدبُّر، وندى تشتكي لعائشة، وتحرير المرأة الغربية القصة الكاملة.