علم الطب بين الحضارات
علم الطب بين الحضارات
أشاد المؤرخون أمثال هوميروس وهيرودوت بمهارة الأطباء المصريين في علاج الأمراض، ونقل الإغريق عن المصريين علومهم وآلات الجراحة ثم أضافوا إليها ونقلوها إلى الرومان، ثم أخذها الفُرس وأنشأوا المدارس الطبية والمستشفى المعروف بجنديسابور، وقد عرف العرب الطب قبل الإسلام وأشهرهم “الحارث بن كلدة” الذي فهم تأثير الحالة الجسدية والنفسية.
ولما جاء الإسلام وقضى على الكهانة والسحر زاد الاهتمام بالطب الطبيعي، لأن الإسلام أبطل المداواة بالسحر والشعوذة، وقَدِم النصارى إلى دول الإسلام لتعلم الطب، لأن الكنيسة الغربية كانت تحرم صناعة الطب باعتبار المرض عقابًا من الله لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن استحقه.
وقد أنشأ العرب موسوعات ضخمة في الطب تُرجِمت كلها إلى اللاتينية ككتاب “القانون” لابن سينا الذي كان خلاصة ما وصل إليه الطب في عصره، وكذلك كتاب “الحاوي” للرازي، وكتب ابن الهيثم في البصريات، ولا ننسى هنا إسهامات الأندلس في علوم الجراحة والعظام ككتاب “التعريف لمن عجز عن التصريف” لأبي القاسم خلف بن العباس الذي عُدَّت كتبه مرجعًا للجراحين بعد القرن الرابع عشر للميلاد.
كما اهتم العرب بإنشاء المستشفيات التي عُرفت باسم “المارستانات”، واهتموا فيها بجودة الهواء والموقع المناسب للمرضى بطريقة لطيفة، إذ كانوا يعلِّقون اللحوم في مواضع مختلفة من المدينة، ويختارون المكان الذي تتأخَّر فيه عوارض فساد وتعفن اللحم ليصبح هو الأنسب، كما عرفوا مرض الجذام والجدري والحصبة وأمراض العين والأمراض النفسية، كذلك ظهرت إسهاماتهم في الكيمياء ومعرفتهم للقلويات وماء الفضة في كتب جابر بن حيان.
الفكرة من كتاب أثر العرب في الحضارة الأوروبية
نظن نحنُ أمة الشرق الآن أننا أصبحنا في القاع، وإن تأكَّدت ظنوننا فإننا رغم ذلك لا ننظر إلى الحلول بقدرِ ما نتجادل في مشكلاتنا، والأعجب من ذلك أن الكثير منّا وصل به الحال إلى اتهام ما كان سببًا يومًا ما في انتشالنا من القاع بأنه هو سبب ما نحنُ فيه الآن.
إن الأمة التي تعلمُ ماضيها ستعرف كيف تُصلح حاضرها مهما ساء وضعه، ووجب علينا أن نعرف من نحنُ حقًّا وكيف أضاف أجدادُنا بصمةً في العلوم والفنون كانت هي حجر الأساس لكل ما وصل إليه العالم الآن.
مؤلف كتاب أثر العرب في الحضارة الأوروبية
عباس محمود العقاد (1989-1964م): أديبٌ ومُفكر وشاعر مصري، وعضو سابق في مجلس النواب ومجمع اللغة العربية، ألَّف أكثر من مائة كتاب في شتى المجالات، أشهرها سلسلة العبقريات، والفلسفة القرآنية، وحياة قلم، ويُعد من أهم كتَّاب القرن العشرين في مصر.