عقلنة اللامعقول
عقلنة اللامعقول
تأثَّرت العلاقات الرومانسية بكثير من المؤسسات الحديثة التي تهدف إلى حل المشكلات الإنسانية وتخفيف المعاناة وزيادة الرفاهية، وذلك كالحركة العلمية الحديثة، وتقدُّم التكنولوجيا، ووفرة السوق، والحركة النسوية، ومدارس التحليل النفسي وغيرها، كل هذه الأمور أدَّت إلى توسيع العالم المادي وجعل المُمارسة العقلانية مُمكنة من خلاله.
وبالتالي فالعقلانية قوَّة ثقافية مؤسساتية تُعيد بناء الحياة العاطفية من الداخل، بشكل أوضح؛ أي إنها غيَّرت النصوص الثقافية الأساسية التي يتم من خلالها فهم العواطف، فقديمًا كان الحُب يحتفظ بحالته الرومانسية التي تتمتَّع بسلطة عاطفية بالدرجة الأولى، أما الآن فالحب يعتمد على نماذج عقلانية لتنظيم الذات العاطفية، وكيفية اختيار الشريك الأمثل.
فإننا نجد مثلًا حين تعامل العلم الطبيعي مع الحُب، نجده قد وصفه من خلال “الهرمونات، وكيمياء الدماغ، والدافع الجنسي، واللاوعي”، وغيرها من الأساليب العلمية التي تحاول تفسير الحُب من ناحية مادية، إضافةً إلى تعامل التحليل النفسي وعلم النفس الديناميكي اللذين يتعاملان مع الحُب بوصفه إعادة تمثيل صراعات الطفولة المُبكِّرة، وأن المعاناة الرومانسية هي أحد الأعراض غير المقبولة المنبثقة عن نفسيات غير ناضجة!
فهذه اللغة -اللغة العقلانية- تجعل الإنسان موضوعًا وهدفًا للمعرفة العلمية، فنسمع عن الشخصية، وأنواعها، والسمات الثابتة لها، وأن الحُب الناجح هو نتيجة توافق التركيبة النفسية للشخصين، وبالتالي يُمكننا قياس ذلك من خلال بعض الأدوات!
أما تأثير الحركات السياسية كالنسوية وغيرها، فإن لها دورًا كبيرًا في تغيير ثقافة رؤيتنا للعالم؛ أي الطريقة التي تصوِّر بها ذاتنا وعلاقتنا بالآخرين، وغيَّرت بشكل كبير معنى العاطفة من خلال تفكيك الحُب والجنس عبر مفهوم “السلطة”، فمثلًا صار الحُب الرومانسي ممارسة تُعدم من خلالها المساواة بين الجنسين، أو أنها إحدى الآليات التي يستخدمها الرجال ليُخضِعوا بها النساء!
أما العقلنة التي تستخدمها الرأسمالية فهي زيادة عدم المساواة بين الناس، وذلك من خلال ابتكارها لتقنيات نُصنِّف من خلالها الآخرين، وتُغيُّر احتياجات الفرد وتفضيلاته.
الفكرة من كتاب لماذا يجرح الحب: تجربة الحب في زمن الحداثة
لماذا يجرح الحُب؟ يُبدو السؤال في ظاهره سؤالًا مشوِّقًا لكثيرين مِمَّن مرُّوا بتجارب حُب مؤلمة، ولكن الحقيقة أن هذا الكتاب يُقدِّم الإجابة بشكل مُختلف، إذ إنه تحليلٌ اجتماعي مُقارن بين عصرين؛ الحداثة وما قبلها، فالحُب في كُل الأزمنة له حالاته المُصاحبَة بالألم، لكن في كتابنا توضح الكاتبة أن ألم الحُب في عصر الحداثة يختلف عن أيِّ ألمٍ للحُب في كل عصرٍ قبلها.
وذلك بسبب تغيُّر العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي بتغيُّرها تغيَّرت طبيعة الروابط الرومانسية، وقد حاولت الكاتبة توضيح تلك التغيُّرات من خلال تحليلها للنصوص الأدبية، وقيامها بعدد كبير من الحوارات واللقاءات مع عدد من الناس لتقيِّم حقيقة هذه التغيُّرات ومدى تأثيرها، لتُقدِّم لنا نتيجة هذه الدراسة وهذا التحليل في كتابنا.
مؤلف كتاب لماذا يجرح الحب: تجربة الحب في زمن الحداثة
إيفا إيلوز: عالمة اجتماع وُلِدت في مدينة فاس بالمغرب سنة 1961م، وكانت نشأتها في فرنسا وفي فلسطين -الأرض المُحتلَّة- والولايات المتحدة الأمريكية.
ركَّزت في مؤلفاتها على دراسة التقاطع بين تأثير الاقتصاد والثقافة في العاطفة والمشاعر، كما قامت بالكتابة في مواضيع مختلفة كالأدب والسياسة والشؤون الاجتماعية، وقد دُعِيَت لإلقاء المحاضرات في بلاد مختلفة، وفازت بعدد من الجوائز الدولية.
ألَّفت عددًا من الكُتب في عدَّة مجالات، منها:
Oprah Winfrey and the Glamour of Misery: An Essay on Popular Culture.
حميميات باردة: تشكيل الرأسمالية العاطفية.
معلومات عن المُترجم:
خالد حافظي: تونسي الجنسية، ويعمل أستاذ لغات ومترجمًا، وقد قام بترجمة عدد من الكُتب، ومنها:
الفلسفة: من الذي يحتاج إليها؟
هل يستطيع التابع أن يتكلم؟