عزةٌ وعروبة
عزةٌ وعروبة
في وقت ذلك الخلاف الذي ذكرناه كان محمود شاكر يشعر أنه عربي، لا ينتمي إلى مصر وحدها، وإنما هو ابن الأمة العربية كلها، وكان مهتمًّا اهتمامًا شديدًا بصحة العقيدة الدينية، فلما كان الخلاف وغلبته طبيعته؛ ولم يستطِع التغيير؛ ترك الدراسة وسافر إلى السعودية لأنه رأى في ذلك تحقيقًا لعروبته، ونقاءً لعقيدته، واستراحةً من ذُلِّ الاستعمار الغربي ثقافيًّا وعسكريًّا.
وكان أبو فهر أبيًّا يحيا بروحِ أمته معتزًّا بها وبلغتها وبدينها؛ وقد ظهر ذلك في كثير من مواقفه، منها رده على المستشرق الإيطالي نيللو حين عرض عليه أن يكون أستاذ كرسي الأدب في جامعات إيطاليا فقال: “أنا؟! أنا لا أدخل بلادكم إلا غازيًا!”، ولما كان في لندن أصر على الحديث بالعربية وجعل بينه وبين الطبيب الذي يحدثه مترجمًا مع أنه يتقن الإنجليزية وقد ترجم في شبابه الكثير، وكذلك تعليقه على رسالةٍ بلغته في كتابه “طبقات فحول الشعراء”، إذ قال: “وكنتُ أخطأت بيان ذلك في طبعتي السابقة من الطبقات، فجاءتني من الأرض المقدسة التي دنسها اليهود رسالةٌ رقيقة من (م.ي. قسطر)، فدلَّني على الصواب الذي ذكرته آنفًا، فمن أمانة العلم أذكره، شاكرًا كارهًا لهذا الذكر”، وكذلك الرسالة التي كتبها لأستاذه الرافعي وهو في الرابعة والعشرين، مبينًا غضبه الشديد من “الكلمة الكافرة” التي قرأها في مجلة كوكب الشرق تطعن في فصاحة القرآن، ويُفضل كاتبها قول العرب: “القتل أنفى للقتل” على قول الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾، ومطالبًا الرافعي بالرد عليها قائلًا إنه لا عذر له في ترك ذلك.
الفكرة من كتاب ظل النديم (أوراق وأسمار شيخ العربية محمود محمد شاكر –رحمه الله- التي لم تنشر من قبل)
محمود محمد شاكر، المعروف أيضًا بأبي فهر وبشيخ العربية، هو أديب وشاعر مصري، عُرف بدفاعه عن العربية وعن التراث العربي الإسلامي، ومع هذا الكتاب نتعرَّف على جانبٍ من سيرته ونشأته الفريدة، ونلقي نظرة على طرفٍ من شخصيته ومواقفه وحاله مع أهله وأصحابه، ونتعرَّف على منهجه الخاص في القراءة ودراسة الأدب.
مؤلف كتاب ظل النديم (أوراق وأسمار شيخ العربية محمود محمد شاكر –رحمه الله- التي لم تنشر من قبل)
وجدان العلي: سيد بن علي عبد المعين، أديب وطالب علم مصري، ولد عام 1979. حصل على ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة القاهرة، وتتلمذ لعدد من أهل العلم باللغة العربية والحديث والفقه، ولزم بيت محمود شاكر –الذي يحكي عنه في الكتاب الذي بين أيدينا- أكثر من خمس سنوات.
عمل في الأدب والكتابة والتحقيق التراثي والدعوة إلى الله، ونشِطٌ على مواقع التواصل الاجتماعي، وله العديد من البرامج التلفزيونية منها: “نوري”، و”الملأ الأعلى”، ومن كتبه: “صادق بكة”، و”عبودية الكون والكائنات” (بالمشاركة مع مؤيد عبد الفتاح حمدان).