عبقرية النبي السياسية
عبقرية النبي السياسية
تولَّى النبي ﷺ أعمالًا كثيرة مما يصدق عليها وصف السياسة، فكان تدبيره ﷺ مع خصومه معتمدًا على السلم والعهد في المقدِّمة، والاعتماد على الحرب والقوة حين لا تصلح المسألة ولا تصلح العهود، فلا هو يركن إلى السيف وحده ولا إلى السلم وحده، بل يضع كليهما حيث يوضع.
ففي صلح الحديبية كانت سياسة النبي ﷺ في قبول الشروط التي طلبتها قريش غاية في الحكمة والقدرة “الدبلوماسية” كما تسمى في اصطلاح الساسة المحدثين، وقد كان هذا الصلح فتحًا مُباركًا على المسلمين، فقد استراح النبي ﷺ من قريش، ففرغ ليهود خيبر والممالك الأجنبية، يرسل إليها الرسل تدعوها إلى الإسلام، وكان المسلمون الذين نفروا من قريش ولم يقبلهم النبي ﷺ بسبب الشروط التي في الصلح، قد خرجوا إلى طريق القوافل على تجارة قريش، فلا استطاع المشركون شكواهم إلى النبي لأنهم خارج ولايته، ولا استطاعوا أن يحجزوهم في مكة.
وفي أمور الإدارة تميَّز محمد ﷺ كما تميَّز في غيرها، فقد كان يوصي دائمًا بالرئاسة حيث وجد العمل الاجتماعي، والإمامة عنده بشرطين؛ هما الكفاءة والحب، فكان يُسند الأمر إلى المدير القادر عليه، حريصًا على تقرير التبعات في الشؤون جميعها، فقد قال ﷺ: “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”.
وحتى قبل النبوَّة حين اختلفت القبائل على إقامة الحجر الأسود في مكانه، كان رأيه ﷺ هو الحكم الذي ارتضته القبائل جميعًا، وحين قدِم إلى المدينة وأخذ المسلمون ينافسون على ضيافته، ترك لناقته الخيار حتى بركت حيث طاب لها أن تبرك، وبذلك رضي الجميع.
الفكرة من كتاب عبقرية مُحمد
“عالم يتطلع إلى نبي.. وأمة تتطلع إلى نبي، ومدينة تتطلع إلى نبي، وقبيلة وبيت وأبوان أصلح ما يكونون لإنجاب ذلك النبي”.. لطالما قدمت كتب السيرة حياة الرسول ﷺ، لكن قلَّما قدمت الكُتب شخصية محمد ﷺ، كأب وزوج وقائد وصديق، وهذا ما قدَّمه الكاتب من خلال كتابه الذي بين أيدينا، فتناول حقيقة شخصية مُحمد ﷺ بشكل يُقدِّم من خلاله براهين عظمة النبي الكريم في ميزان العلم وميزان الشعور وميزان الإنسانية.
مؤلف كتاب عبقرية مُحمد
عباس محمود العقاد: أديب ومفكر مصري، ولد في أسوان عام 1889م، حصل على شهادة الابتدائية لكنه كان مولعًا بالقراءة في مختلف المجالات، منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلُّمها، كما رفض الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة.
أضاف إلى المكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات، فمن مؤلفاته سلسلة العبقريات، والإنسان في القرآن، والتفكير فريضة إسلامية، وغيرها الكثير. تُوفِّيَ العقاد في القاهرة عام 1964م.