سورٌ من الحِماية
سورٌ من الحِماية
إن أول عناصِر الوجود الأربعة هو الحِماية، إذ يتبلور فيها معنى الحضور، فوجودك مع أطفالك وجود من أجل الحماية، والذي يبدأ الطفل فيه بدوره الشعور بالحب والتفهُّم من قِبل الوالدين على الدوام، لِذا هي الخطوة الأولى في سبيل تقوية العلائق بالأطفال، وتبدأ الحماية للطفل منذ الولادة بتلبية احتياجاته الأساسية، ثم تنمو مع نموه من حماية نفسية وبدنية أيضًا، وتشمل مهمتين رئيستين؛ الأولى: حمايتهم من الأذى الخارجي، والثانية: حمايتهم من الأذى الداخلي، بمعنى ألا يكون الوالدان هما مصدر الخوف والترهيب، بل ساحة أمان، وهناك أيضًا جانب مهم في أمر الحماية، وهو أنها تعتمد بشكلٍ كبير على المسؤول المباشر عن التربية عند الطفل، ومن هنا يمكننا أن نُقلِّل الضرر الناتج عن سوء معاملة المسؤولين الآخرين عن تربية الطفل دون أن نفقد الأمل، لكن على الرغم من ذلك يجب على الآباء الحذر في تصرُّفاتهم الخاصة حتى بعيدًا عن الطفل، لأن الضرر هنا مُتعدٍّ، فالوالد الذي يضر نفسه؛ يضرُّ طفله، حتى أن الطفل يستقبل الإساءة من والديه بنتيجة غير مباشرة من عدم قدرته على التعاطف مع الآخرين والإشفاق عليهم، وهناك أيضًا نوع من التهديد الذي هو عكس الحماية قد يمارسه الأبوان دون إدراك أنه تهديد، وهو التفاعلات داخل الأسرة، فعلى سبيل المثال: يعدُّ الجدال بين الأبوين وصراخهما أمام أطفالهما نوعًا من أنواع التهديد ذاك.
حينما يتم الحديث عن فكرة، يكون من الأسلم الاستدراك عليها بما قد يسبِّب الانحراف عنها، لذا فرغم وجوب حرص الوالدين على توفير الحماية لأطفالهم فإن المُبالغة تأتي بنتيجة عكسية تمامًا للهدف من الحماية، ولا بد للطفل أن يتعرَّض للتحديات والصعوبات في الحياة، ويواجه أذًى في العالم الخارجي، وحينها يتطلَّب منه أن يكون قويًّا ومرنًا، ولا بأس أن يتعرَّض للأذى المحتمل، والذي بالتأكيد لا يتسبَّب فيه الوالدان باختيارهما، في سبيل اكتساب هذه المهارة العميقة والمهمة، مع مراعاة نقطة شديدة الأهمية، وهي أن الأطفال مختلفون بعضهم عن بعض في شخوصهم وبالتالي استجاباتهم للأذى، لذا يجب توخِّي الحذر، واكتساب القدرة على التمييز بين ما يُناسب كل طفل عن قرينه.
يمكن تطبيق نظرية الحماية عن طريق عدة استراتيجيات عملية، أولاها: لا تَكُن مصدر الخوف في منزلك، وثانيها: لا يوجد مُربٍّ مثالي، لذا أصلح العطب، ولا بأس في ذلك، وثالثها: عرِّف بنفسك، واعترف بما حدث، وكُن ميناء أمان.
الفكرة من كتاب قوة الحضور: كيف يشكِّل حضور الأبوين شخصية أطفالنا وطريقة تفكيرهم
إن شعور الطفل بوجود شخصٍ على الأقل في حياتهِ لأجلِه، عبارة من منبع من بواعث الأمان في نفسِه، هذا الاحتياج الشديد إلى الوجود في الطفولة إذا لم يُشبَع سيؤثِّر بشكلٍ عميق جدًّا وسلبي في حياة ذلك البالغ الذي لم يشبع من الأمان في طفولته، وهذا الوجود لا يتطلَّب صورة أبويَّة من المثاليَّة على الإطلاق، إنما يحتاجُ الصدق في السعي لا أكثر، ويدور فلك هذا الكتاب عن كيفية تحقيق الوجود المتمثل في عناصره الأربعة: الحماية، والتفهُّم، والتهدئة، والأمان، فعندما تتوافر هذه العناصر يمكن بكل سلاسة إصلاح العطب، وترميم الصدع الناتج عن الأخطاء البشرية التي لا فرار منها في عملية التربية، والحياة بأسرها، ولا يعتمد الوجود على الأثر المعنوي فقط من ثقة ومحبة وأمان، وإنما يمتد إلى الآثار الفسيولوجية الناتجة عن النمو المتكامل للمخ، وأيضًا مرونة الجهاز العصبي في جسم الطفل، والنفع الناتج عن هذا الارتباط الآمن إنما هو نفعٌ متعدٍّ للطفل وللوالدين على حدٍّ سواء.
مؤلف كتاب قوة الحضور: كيف يشكِّل حضور الأبوين شخصية أطفالنا وطريقة تفكيرهم
دانيال جيه. سيجل: طبيب وعالم نفس، وُلِد في الثاني من سبتمبر عام 1957م بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على دكتوراه في الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا، ويعمل مُحاضرًا في نفس الجامعة التي تخرج فيها.
تينا باين برايسون: مُعالِجة نفسية ومؤسسة لمعهد play strong الذي يدعم فلسفة المُعالجة النفسية باللعب، تخرَّجت في جامعة بايلور، وحصلت على الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا.
اشتركا أيضًا في تأليف كتاب “طفل المخ الكامِل”.