سباق إلى النيل.. أيام القدر

سباق إلى النيل.. أيام القدر
كانت مصر بخلافتها الفاطمية بعيدة إلى حدٍّ ما عن حروب الشام، لكنها كانت مسرحًا عامرًا بفوضى الوزراء ونفوذهم، وسيجلب شَاوَر وضِرْغَام ميدان المعركة إلى القاهرة، فبعد استحواذ ضِرغام على السلطنة، هُرِعَ شاوَر إلى الملك نور الدين يطلب منه العون على منافسه، ودار في ذهن الملك مسقبل تتوحد فيه الشام ومصر ضد الفرنجة، ولم يكن امتلاك مصر يسيرًا على الإطلاق، فهي في ذلك الزمن معقل المذهب الشيعي وقلب الخلافة الفاطمية، وطال الأمر عدة حملات تسابق فيها جيش نور الدين مع الفرنج في كل مرة كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، وبدل فيها شاور ولاءه طويلًا بين الفرنج ونور الدين ليضرب فريقًا بالآخر ويفرغ له الميدان، وبعد خمس سنوات طوال من الكر والفر، تمكن جيش نور الدين أخيرًا من البقاء في القاهرة، وكُوفئ قائده أسد الدين شيركوه بمنصب الوزارة في بلاط الخليفة الفاطمي، وفي هذه الحملة برز اسم آخر سيحدد معالم الأعوام القادمة في الشرق، فلم يقضِ شيركوه شهرين في منصبه الجديد حتى تُوفي وخلفه ابن أخيه يوسف بن أيوب.

لم يكن المرجو من تلك الحملة عسكريًّا فقط، فقد كان نور الدين عازمًا على إنهاء الخلافة الفاطمية، وكان يصر على أن يتم هذا بأسرع ما يمكن، لكن صلاح الدين بداخل عش الدبابير لا يقدر على إرضاء مولاه بهذه السرعة، فحاول كثيرًا تأجيل الخطوة النهائية، لكن دون جدوى، فقد غضب نور الدين ولولا أن عاجلته المنية فقد كان عازمًا على السير بنفسه إلى مصر.
وفجأة وجد صلاح الدين نفسه الرجل الأقوى في مصر والشام، ورغم بعض المؤامرات في حلب، لم يستغرق الأمر طويلًا حتى قبض على زمام الأمور بنفسه وأُعلن سلطانًا على مصر والشام، وكانت الخطوة القادمة هي المرجوة منذ زمن، بَدءُ التحرير واستعادة القدس، وبدا أن تفادي الصدام غير ممكن، فقد خرق أمراء الفرنجة الهدنة مرة تلو الأخرى، والتقى الجمعان قرب نهر الأردن في قرية حطين حيث انتصر المسلمون في معركتهم المشهودة، وتحرك الجيش المنتصر مسرعًا إلى وجهته المقدسة، بيت المقدس.
الفكرة من كتاب الحروب الصليبية كما رآها العرب
لا تزال ذكرى الحروب الصليبية حية حارة في أذهان العرب إلى اليوم، ولا تكف الأمثلة عن الظهور طوال الوقت، فمع كل هجوم يقع على العالم الإسلامي من جهة الغرب، لا يتمكن المرء من كبح ذهنه كيلا يرجع إلى تلك الأيام، فدائمًا كانت الحروب الصليبية موردًا غنيًّا للإسقاطات التاريخية، وبوسع العرب والمسلمين أن يجدوا فيها أمثلة لأحداث عصرهم وأبطاله، وإلى اليوم يقتبس الرواة صلاح الدين وسقوط القدس واستعادتها، وغالبًا ما تُوصف إسرائيل بأنها مملكة صليبية حديثة، ففي ثنايا تلك الأحداث كانت بداية العداء الطبيعي بين العرب والغرب، وكانت الحروب الصليبية هي التي حكمت على هذين العالمين بالفراق والحذر الدائم.
مؤلف كتاب الحروب الصليبية كما رآها العرب
أمين معلوف: أديب وصحفي لبناني، وُلد في بيروت عام 1949م، ودرس علم الاجتماع في جامعة القديس يوسف، وعمل في شبابه مُحررًا لدى جريدة النهار، ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976م انتقل إلى باريس حيث ما زال مقيمًا إلى اليوم، حصل معلوف على عديد من الجوائز والتكريمات مثل جائزة جونكور الفرنسية عن روايته “صخرة طانيوس”، ومن أهم مؤلفاته:
رواية سمرقند.
الهويات القاتلة.
موانئ المشرق.
عن المترجم:
عفيف دمشقية: لغوي وباحث ومترجم لبناني، ولد ببيروت عام 1931م، حصل على شهادة الماجستير في العلوم اللغوية في الجامعة اللبنانية، ثم حصل على شهادة الدكتوراه لاحقًا من جامعة السوربون في فرنسا، من أعماله:
سمرقند لأمين معلوف.
خفة الكائن التي لا تحتمل لميلان كونديرا.
الأجراس لأيريس مردوخ.