رواد أعمال بالضرورة
رواد أعمال بالضرورة
دائمًا ما يُتهم الفقراء بقصر النظر وعدم القدرة على الادخار وتسويف المتعة من أجل المنفعة مستقبلًا، وفي هذه الأحكام قراءة سطحية دون الاستناد إلى الأسباب والظروف الحقيقية للواقع لأن هذه الأفعال تتطلَّب مقاومة كبيرة من الصعب أن تظهر لدى مجموعة من الناس يعيشون حياة يحكمها اليأس والقلق الذي يشتِّت التركيز ويضعف القدرة على اتخاذ قرارات سليمة، وإلى جانب ذلك لا تتوافر لديهم الأساليب الفعَّالة للادخار والاستثمار، فالبنوك ترفض التعامل معهم لأن المبالغ الصغيرة الموُدَعَة لا تكفي عناء المصاريف الإدارية اللازمة، ما يجعلهم يتجهون إلى المُقْرِضِين المحليين من أجل المال في مقابل فوائد ضخمة، وفي الآونة الأخيرة ظهر سوق جديد للاقتصاد الجزئي بهدف تقديم الدعم المادي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو يهدف بذلك إلى سد الفجوة الناتجة عن انسحاب البنوك الكبيرة من المشهد، ولكن هذا النوع من الدعم على الرغم من إتاحتة للفرص القَيِّمَة فإنه لا يشجع الروح الاستثمارية اللازمة لعبور النقطة الفاصلة بين النجاة والنجاح، ففي المفاهيم الاقتصادية يمكن أن تحصل المشاريع على هامش ربح جيد يُمَكِّنَهَا من الاستمرار ولكنها لا تنجح فعليًّا حتى تحقق مردودًا ماديًّا كبيرًا يغطي جميع التكاليف والعمالة المستهلكة، ويسمح بالنمو والتوسع في العمليات التجارية، ولهذه الأسباب تظل مشروعات الفقراء ثابتة في الحجم ومعرَّضة للفناء في أي وقت.
يجادل البعض أن توفير الاستثمارات في الدول النامية مضيعة للوقت بسبب انتشار الفساد الذي يُقَوِّض فرص النجاح، ويرى الكتاب أن صحة العبارة السابقة لا يعني بالضرورة فشل كل السياسات التي تهدف إلى محاربة الفقر، فالمؤسسات السياسية الفاسدة يمكنها إصدار تشريعات صالحة إذا تعرَّضت للمراقبة والمحاسبة من الجميع، وبحسب البنك الدولي في خطاب عام 2004 “فإن المجتمعات يمكنها أن تتكاتف وتقدم الحلول، إذا كان الأمر خطيرًا بما فيه الكفاية”، بالطبع إصلاح الأنظمة الدكتاتورية وتقويم الوضع السياسي لخدمة السكان يعد أفضل الطرق ولكنه يتطلب ثورة شاملة، ويجادل الكتاب أنه ليس ضرورريًّا لأن التغيرات في المستويات المعيشية تتأثر بعوامل كثيرة منها المجتمعي الذي يتطلَّب فقط أن يصبح الناس على استعداد للمحاولة والتغيير.
الفكرة من كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
بين تلك الصور النمطية ونظريات اليمين واليسار السياسي فيما يتعلق بسياسات محاربة الفقر، يقوم هذا الكتاب بمناقشة الوضع الحقيقي الذي يعيشه الفقراء في العالم، فمن خلال المعلومات والأدلة المستمدة من تجارب حقيقة وإحصائيات دقيقة، يحاول الكتاب أن يشرح الواقع من خلال تقديم نماذج أكثر تفصيلًا تصلح للدراسة المنهجية، واستنتاج الأسباب التي تدفع بالفقراء إلى اتخاذ قرارات وانتهاج سلوكيات تجعل الفرار من الفقر ورفع المستوى الاجتماعي شيئًا أقرب إلى المستحيل؛ ومن خلال هذا الفهم الشامل للمشكلة يمكننا أن نبادر بخطوات إيجابية لبناء عالم أفضل للجميع حتى ولو تطلَّب الأمر الكثير من الجهد والمحاولة.
مؤلف كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
أبهيجيت بانرجي وإستر دافلو: باحثان في الاقتصاد بجامعة MIT، وحاصلان على جائزة نوبل عام 2019 تقديرًا لجهودهما في تقديم حلول جديدة وعملية للمشاكل التي تواجه الفقراء في العالم، حيث قام الكاتبان بالمساعدة في إنشاء معمل “عبد اللطيف جميل” لمكافحة الفقر، والذي يختص بإجراء تجارب عشوائية مُحْكَمَة بهدف الحصول على معلومات ونشر أوراق بحثية تساعد على تقديم برامج قابلة للتنفيذ بالتعاون مع المنظمات المعنية بتقديم الدعم للفقراء، الحكومية والتطوُّعية.
قام الكاتبان بنشر كتاب آخر متعلق بنفس الموضوع هو “اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة”.
معلومات عن المترجم:
أنور الشامي: هو صاحب الترجمات “خرافة ريادة الأعمال”، و”شغف المغامرة”، و”البداية”.