دوامة
علينا المقاومة، مقاومة العنف والموت والوحشية، ومقاومة الهيمنة والاستسلام والتكنوقراطية، وما دام القمع والتهديد، دامت المقاومة، وهذه المقاومة لا بد أن يصاحبها تغيير وتحولات ثورية على مستوى الأفراد والعلاقات بين الفردية والنظام الاجتماعي للدول والأمم، وهنا تظهر فكرة الثورة مجددًا مطهرة من كل خلاص، ما عدا من فكرة إنقاذ الإنسانية.
إذًا يوجد ترابط عجيب بين المقاومة والثورة، التخلص من أسطورة المنقذ “الثورة” يدفعنا إلى المقاومة، والمقاومة تدفعنا إلى الثورة، وقد رأينا أن الثورة مفهوم متعدد الأبعاد ويتطلب تحولات عديدة على المدى الطويل، وعلينا أن نحاول محاولة أخيرة لإنقاذ النوع الإنساني نقطف ثمارها في الألفية الثالثة، تجمعنا بدايات عديدة بدأت من كل نقطة ومن كل مكان لتلتحم وتتآزر وتحدث دوامة!
لقد مارسنا العنف في أبشع صوره، وعلينا أن نصل إلى مرحلة ما بعد العنف، ليس لأن ما بعد العنف يعد خلاصًا، بل لأنه على الأقل يمثل صورة أقل حدة من صور العنف الجنوني، ولن نصل إلى تلك المرحلة إلا من خلال الصفح والتوبة، أما التوبة فلأولئك الذين مارسوا دور الشرير في قصة الإنسانية، أولئك الذين مارسوا العنف حد الاشمئزاز، واحترفوا القتل حتى التقزز، في حين أن الصفح سيأتي فقط من أولئك الذين مُزقوا وتألموا وتحولت عائلاتهم أشلاء، وتوبة المذنب لا تكفي، إلا أن الحالة الحرجة لولادة الإنسانية -الإنسانية التي نحلم بها- تدفعنا إلى نسيان الماضي لإصلاح الحاضر والمستقبل.
الفكرة من كتاب إلى أين يسير العالم؟
هل نحن بخير؟ ربما تخلصت الإنسانية من الأوبئة والأمراض التي أرّقت مضاجعها طيلة قرون، وربما تمكنت من غزو الفضاء واكتشاف تقنيات لعيش حياة أفضل، لقد أردت أن أخبرك أن العالم على وشك أن يصل أخيرًا إلى السلام، إلا أن هيروشيما ومعتقلات النازية والسياسة الستالينية تخبرك بغير ذلك.
قد يبدو العالم اليوم في صراع من أجل السلام، لكنه في الحقيقة في صراع من أجل البقاء، وخطته المزعومة نحو السلام قادته فقط إلى ابتكار مزيد من تقنيات التسلح وأساليب الإبادة!
فهل هذه الإنسانية التي حلمنا بها، أم إنها كانت جنينًا قُتِل عمدًا في مهده قبل أن يرى النور؟
يقدم إدغار موران في هذا الكتاب نظرته الذاتية عن القرن العشرين، ويولد مفاهيم جديدة لمصطلحات ظننا أننا نعرفها، مثل: الأزمة، والثورة، والتقدم، والحضارة، مستعينًا بخبرته التي اكتسبها من الأهوال التي عاصرها في الحربين العالميتين وفيتنام وكوبا والجزائر وغيرهم، مما انفردت به الساحة الدموية للقرن العشرين.
مؤلف كتاب إلى أين يسير العالم؟
إدغار موران: ولد عام 1921م، وهو أحد الفلاسفة وعلماء الاجتماع في فرنسا، ومدير فخري للأبحاث بالمركز الوطني للأبحاث العلمية، وصاحب نظرية التعقيد واستراتيجية الفكر المركب، وأحد المنظرين للمقاربة العبرمناهجية، ويعتبر من أهم المحللين للفكر المعاصر ولتاريخ الثقافة الأوربية والعالمية.
حاز عدة جوائز من بينها دكتوراه فخرية في عديد من جامعات دول العالم وجائزة شارل فايون للكتاب. وله عديد من المؤلفات منها:
ثقافة أوروبا وبربريتها.
هل نسير إلى الهاوية.
الفكر والمستقبل مدخل إلى الفكر المركب.
عنف العالم مع جان بودريارد.
معلومات عن المترجم:
أحمد العلمي: أستاذ الفلسفة ورئيس قسمها في جامعة ابن طفيل في مدينة القنيطرة بالمغرب، وعضو هيئة تحرير مجلة مدارات فلسفية، له عديد من المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية في مجال اختصاصه.