حوار نبوي
حوار نبوي
إذا أردت حقًّا أن ترى نموذجًا حواريًّا مثاليًّا فعليك أن تتطرَّق عزيزي المحاور أو الداعية إلى خطابات القرآن الكريم، فصحيح أنه كتاب دين وعقيدة، إلا إنه أكمل الكُتبِ في شكل حواري قصصي مثالي، فعلى سبيل المثال: في سورة يوسف تُقصُّ قصة سيدنا يوسف وأصحابه في السجن، فبدأ العرض القصصي في القرآن بأن الفتيان دخلوا مع سيدنا يوسف السجن في إيجاز ووضوح دون استرسال لا قيمة له في أن هؤلاء الفتيان دخلوا بعده أو قبله هذا لا يهم قصتنا في شيء، ثم يأتي المهم ويقصُّ كلٌّ منهم رؤياه على نبينا سيدنا يوسف: ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ثم يسألان عن تأويل الرؤيا بتهذيب ومدح فيه أنهم يرونه من المحسنين.
فوعدهم بإجابة التأويل في وقت محدد وواضح، ثم تأتي أمانة وتواضع المحاور سيدنا يوسف أن تأويله لرؤياهما فضل من الله عليه وهبة، ويقول: ﴿ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾، ولا يكتفي بذلك بل يعرفهم من هو ليفوز بثقتهم، ويقول: ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾، ويخبرهم بأنه من نسل الأنبياء فيزداد ثقةً وفرحًا بذلك، ويدعوهما إلى التوحيد وترك عبادة آلهتهما في أدب أو وصمهما بالكفر في أول الأمر حتى لا يُصدما فينفرا من حديثه.
ثم قاربهما أكثر من نفسه بمناداتهما: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾، ويسألهما عن آلهتهما المتعددة أفضل أم الله الواحد الأحد، وبعد أن أدرك أن عقولهما مُنصتة له أقرَّ عليهما حقيقة التوحيد التي يدعوهما بها، وأن اعبدا الله واتبعوا الدين القيم، لكنه يعود إلى سؤالهما مرةً أخرى بعدما انتهى من دعوته بلطف ويقول لهما: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾، ويقصُ عليهما تأويل رؤياهما، وراعى أنفسهما، فلم يخبرهما أن أحدهما سينجو والآخر سيُصلب مع أنه يتضح من الرؤيا، ثم ينهي الحوار بأن سؤالكما انتهت إجابته لكن العقيدة أمر لا يمكن أن ينتهي.
الفكرة من كتاب كيف تحاور؟
تعتمد طُرق تواصلنا مع الآخرين على الحوار، ولأن الإنسان خُلِق بالفطرة يريد التحدث ويريد من يستمع له، والله (عز وجل) لم يخلق الإنسان عبثًا، فرسَّخ في فطرته وأنزل بمنهجيته النبوية ماهية الحوار وطُرقه، لذا كان التحاور موضوعًا شائكًا يجب التطرُّق إليه بموضوعية والاطلاع على مميزاته وعيوبه، ومفهوم الحوار ذاته، إضافةً إلى آداب الحوار في الإسلام، وهو فن يجب على الإنسان معرفته وفهمه، وبخاصةٍ مسؤولي التحاور مثل المذيعين والدُعاة وغيرهم ممن يملكون مناقشات حوارية، وأيضًا تعلم آداب الحوار وفهمه يُخرج الإنسان من شاكلة الغرق بينه وبين الجدال والمناقشة لكي يصل به في النهاية إلى حوار لبق مقبول يُفهم منه حديثه ويفهم فيه الطرف الآخر في إيجاز وبيان.
مؤلف كتاب كيف تحاور؟
الدكتور طارق بن علي الحبيب: طبيب نفسي سعودي، ولد في محافظة عنيزة في منطقة القصيم، حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الملك سعود، ثم واصل دراساته العليا في الطب النفسي في أيرلندا وبريطانيا، وتتركز اهتماماته العلمية في علاج الاضطرابات الوجدانية وفي مهارات التعامل مع الضغوط النفسية وفي علاقة الدين بالصحة النفسية.
وهو بروفيسور، واستشاري الطب النفسي، والمشرف العام على مراكز “مطمئنة” الطبية، وبروفيسور واستشاري الطب النفسي في كلية الطب والمستشفيات الجامعية في جامعة الملك سعود في الرياض، ومستشار الطب النفسي للهيئة الصحية في إمارة أبوظبي.
وله كتب عديدة منها:
التربية الدينية في المجتمع السعودي.
الفصام.
مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي.
العلاج النفسي والعلاج بالقرآن.
الطب النفسي المبسَّط.
علمتني أمي.
نحو نفس مطمئنة واثقة.