حقوق الإنسان والليبرالية الجديدة

حقوق الإنسان والليبرالية الجديدة
في عام 1971م، كتب الفيلسوف الأسترالي «بيتر سينغر | Peter Singer» مقالة قال فيها: “فيما أكتب هذه المقالة يموت الناس في البنغال الشرقية -بنجلاديش الآن- بسبب انعدام الطعام والمأوى والرعاية الصحية”. كان اهتمام سينغر منصبًّا على المجاعات في البلاد البعيدة، وقد شبه الواقع الأخلاقي العالمي بطفل يغرق وفي وسع كل جهة فاعلة أخلاقية إنقاذه بسهولة، ولكنها لا تفعل ذلك حتى لا تتحمل تكلفة بسيطة كاتساخ الملابس، ومن ثم رأى سينغر أن أي فاعل أخلاقي يحتاج إلى تضحية ليصل إلى درجة يصبح معها أي شيء ذا قيمة أخلاقية، وبناءً على ذلك دعا سينغر إلى زيادة الأعمال الخيرية للحد من الجوع والفقر والعوز، وافترض أن التبرعات الشخصية يمكنها كخطوة أولى تحقيق التوزيع العادل على مستوى العالم.

وفي أواسط السبعينيات جرى تناول مسألتي الجوع والفقر في مناقشة غير مسبوقة حول انعدام المساواة العالمي، وبحلول أواخر عام 1976م أكد الفيلسوف الأخلاقي «هنري شو | Henry shue» استحالة فصل السياسة الغذائية العادلة عن المبادئ الأساسية للعدالة العالمية، كما جادل الفيلسوف الكبير «توماس ناغل | Thomas Nagel» ردًّا على سينغر قائلًا: “إن الأعمال الخيرية ليست كافية، لأن الجوانب الأخلاقية للجوع جزء من المشكلة العامة لانعدام المساواة الاقتصادية على مستوى العالم”. وفي وقت لاحق اقتنع هنري شو بأهمية الاحتياجات والحقوق الأساسية بعد أن اطلع على كتابات العالم السياسي «جايمس سكوت | James scott»، إذ لفت الأخير النظر إلى أن الفلاح في عصر ما قبل الاستعمار والدولة الحديثة كان كل ما يهمه هو ضمان حقوق اجتماعية دنيا، ومن ثم شدد هنري شو على أن ما يهم فقراء العالم ليس أن يكونوا متساوين بل أن يتاح لهم ما يكفي للمعيشة.
لقد تخلّى الناشطون في مجال حقوق الإنسان عن المساواة المادية كخلق مثالي. ونجد أن المشكلة الرئيسة ليست في أن حقوق الإنسان تروّج لهذه الأصولية، بل في أنها عديمة الطموح من الناحية النظرية وغير فعّالة من الناحية الفعلية في مواجهة نجاح أصولية السوق. حتى الليبرالية الجديدة لم تشكّل تهديدًا لأصولية السوق، ولم تسهم حركة حقوق الإنسان بشكل كبير في مواجهة هذا النجاح. إن مأساة حقوق الإنسان تكمن في أنها شغلت المخيّلة العالمية، لكنها لم تقدم الحلول الملموسة لانعدام المساواة المادية.
الفكرة من كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
قبل عام 2008م، كانت حقوق الإنسان تُعد ضمانة للحياة الكريمة في مختلف أنحاء العالم، تسعى إلى توفير فرص متساوية وتؤكد عدم وجود حواجز تمنع ذلك. ومع ذلك، بدايةً من عام 2008م، ظهرت إحصائيات محبِطة على الصفحات الرئيسة للصحف، تشير إلى تصاعد الفجوة بين الأثرياء والفقراء بشكل متسارع في معظم البلدان. كما أظهرت التقارير أن عددًا قليلًا من رجال الأعمال يسيطرون على ثروة تفوق ثروة نصف سكان العالم، مما يجعل عصر حقوق الإنسان يبدو متعارضًا مع مفهوم العدالة في التوزيع، إذ أصبحت فترة تمكين الأثرياء. وفي سياق متصل تخلى المدافعون عن السوق الحرة عن هدف المساواة المادية، وجعلوا الأولوية لأمور لا تخدم فكرة حقوق الإنسان، مثل إنقاذ الفقراء بدلًا من العمل على تحقيق المساواة المادية، إذًا لنتتبع هذا السياق ونُلق نظرة متعمقة على هذه القضية.
مؤلف كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
صامويل موين: أستاذ القانون والتاريخ في جامعة ييل «Yale University»، ويشغل أيضًا منصب رئيس كلية جريس هوبر «Grace Hopper College»، حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الأوربي الحديث من جامعة كاليفورنيا – بيركلي في عام 2000م، كما حصل على درجة علمية في القانون من جامعة هارفارد في عام 2001. وهو زميل معهد «Quincy Institute for Responsible Statecraft»، ومن مؤلفاته:
اليوتوبيا الأخيرة: تاريخ حقوق الإنسان.
Liberalism against Itself: Cold War Intellectuals and the Making of Our Times
Humane: How the United States Abandoned Peace and Reinvented War
The Right to Have Rights
معلومات عن المترجم:
أمين الأيوبي: مهندس ومترجم لبناني، حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة عام 1989م من جامعة بيروت العربية، وبعد أن زاول مهنة الهندسة لمدة 7 سنوات، اختار أن يعمل في مجال الترجمة. من ترجماته:
طبيب في رئاسة الوزراء: مذكرات الدكتور مهاتير محمد.
العالم من دوننا.
الإصلاح الجذري: الأخلاقيات الإسلامية والتحرر.
الدولة: نظريات وقضايا.
الموضوعية.