حدود العقلانية المجردة وكيفية التصدي لها
حدود العقلانية المجردة وكيفية التصدي لها
تنقسم العقلانية إلى عدة أقسام منها: العقلانية المجردة، وهي عبارة عن خاصية الفعل الإنساني الذي يسعى إلى تحقيق مقاصد لا يقين في نفعها، بوسائل لا يقين في نجوعها، وسبب الخلل في نفع المقاصد هو وقوعها في “النسبية”، فما يصح في نسق معين قد لا يصح في نسق آخر والعكس صحيح، و”الفوضى” حيث تتضارب النظريات العلمية فيما بينها، و”الاسترقاق” حيث تكاثرت التقنيات على جميع المستويات، منشئة كونًا تقنيًّا يحتوي الإنسان احتواءً، ويستحوذ على إرادته وتغيب آفاقه عن عقله، فيستعبده بعد أن كان هذا الإنسان يمنِّي النفس أن يسخر له الكون تسخيرًا، أما سبب الخل في نجوع وسائلها فهو إقصاؤها المعاني الروحية واكتفاؤها بالظواهر الخارجية.
أما العقلانية المسددة، فهي عبارة عن خاصية الفعل الإنساني الذي يسعى إلى تحقيق مقاصد نافعة بوسائل لا يقين في نجوعها، وسبب عدم نجوع وسائلها هو وقوعها في آفتين: “آفة التظاهر” الناتج عن التفاوت بين الفعل والقصد، كأن تخرج أفعاله عن قصد التقرب بها إلى الله إلى قصد التقرب بها إلى الناس، و”آفة التقليد” بأن يعمل بقول الغير دون تحصيل دليل عملي يثبت فائدة ذلك القول، كأن يحصر الدلالة العملية للقول في الحركات الظاهرة.
وتأتي العقلانية المؤيدة، التي تعدُّ خاصية الفعل الإنساني الذي يسعى إلى تحقيق مقاصد نافعة بوسائل ناجعة، وسبب تحقُّق مقاصدها ونجوع وسائلها هو جمعها بين المقال والسلوك، فكل معرفة تبلغ مرتبة النجوع لا بدَّ أن تنتقل إلى مستوى التلبُّس السلوكي بها، بحيث يجمع بين معرفة الموضوع الذي ينظر فيه ومعرفة الله، وبهذه العقلانية المؤيدة يمكننا التصدي للعقلانية المجردة.
الفكرة من كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
قد التبس الأمر على دُعاة العقلانية من المُحدَثين، فظنُّوا أن العقلانية واحدة لا ثاني لها، وليس الأمر كذلك، إذ تأتي العقلانية على قسمين، فهناك “العقلانية المجردة من الأخلاقية” وتلك يشترك فيها الإنسان مع البهيمة، وهناك “العقلانية المُسدَّدة بالأخلاقية”، وتلك يختص بها الإنسان عمَّن سواه، فالأخلاقية هي ما يكون بها الإنسان إنسانًا، إذ يجب أن تتجلى الأخلاقية في كل فعل من أفعال الإنسان.
مؤلف كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي.
كتب العديد من الكتب التي يؤسس من خلالها فلسفة إسلامية جديدة، ومن تلك الكتب: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، و”ما بعد الدهرانية”.