تهويد الوعي الأمريكي
تهويد الوعي الأمريكي
يتعجب الكاتب من سكوت الشعب الأمريكي وليس حكومته فقط، عن المجازر في حق الشعب الفلسطيني، فالأمر إذًا ليس مجرد توافق مصالح حكومات، بل هو أعمق من ذلك في وعي الشعب الأمريكي نفسه.
إن المستعمرات الإنجليزية في أمريكا في القرن السادس عشر مثل بليموث وماساشوسستس ونيوهافن كانت تستمد قوانينها من شريعة موسى أو من أسفار التوراة، وقد أطلقوا على أمريكا اسم “أرض الميعاد” و”إسرائيل الجديدة”، ويقول جون كوتون الأب الروحي للبيوريتانية الأمريكية إن الله جعل لهم أمريكا أرضًا للميعاد وإن عليهم العمل من أجل مجد بني إسرائيل الشعب المختار، وكانوا يرون أن هناك تطابقًا بين خروج العبرانيين من مصر لفلسطين وبين خروج البروتانيين من إنجلترا لاستعمار أمريكا من أجل إقامة دولة عبرية.
ونجد أن السعي الصهيوني لمحو الشخصية الفلسطينية يتلاقى مع السعي الأوروبي الاستعماري للرجل الأبيض الذي تعامل مع العالم كله من خلال موقف عرقي واضح وأن المسألة ليست إعلامًا وحسب، وإنما هناك تلاقٍ في أسس التكوين العقلي والوجداني مبنية على أسس دينية وعرقية، وكان تعلم العبرية في المستعمرات الجديدة أساسًا ثقافيًّا لكل متعلم وليس رفاهية، وكان أول كتاب طبع في أمريكا هو مزامير داوود، ثم النحو العبري وليس الإنجليزي، وكانت اللغة الرسمية في التدريس بجامعة هارفارد عند تأسيسها عام 1636 هي العبرية.
وكانت طباعة التوراة والإنجيل في كتاب واحد، وتسميته الكتاب المقدس بجزأيه العهد القديم والحديث كافية لجعل المسيحي يشعر أنه أقرب لليهودية من أي أحد آخر، وكانت هناك عوامل أخرى مثل الحروب الصليبية التي جعلت من السهل تهويد العقل المسيحي الأوروبي للتطلع لأرض الميعاد مسقط رأس المسيح، لتصبح العودة حلمًا مشتركًا للمسيحيين واليهود.
وبدأ الترويج لأهمية العودة للتوراة لمعرفة التاريخ المسيحي، ومن ثم أي تاريخ للمنطقة، كأنه لم يكن هناك تاريخ في تلك المنطقة من قبل الزمن التوراتي، وصُوِر السكان الأوائل على أنهم مجرد قبائل وثنية متفرقة وليست حضارة قائمة، الأمر الذي تدحضه الكشوفات الأثرية لحضارات عاشت في تلك المنطقة مثل مدينة نينوى السومرية، وما وجدوه فيها من ألواح تحكي قصة الطوفان الذي يسبق الزمن التوراتي.
الفكرة من كتاب تهويد المعرفة
في مطلع القرن الثامن عشر بدأت صورة اليهودي في الأدب والواقع الإنجليزي تتغير تمامًا عن صورة اليهودي الجشع والمستغل إلى اليهودي الإنسان المعين والطيب الذي يمكن أن يساهم في حل المشكلات الاقتصادية بثروته!
يبين لنا ممدوح عدوان من خلال دراسته كيف عمل اليهود على إعادة صياغة التاريخ بغرض طمس تاريخ فلسطين وتصويرها أرضًا خالية إلا من اليهود على مر العصور، وقد قدموا أطروحاتهم في المؤسسات الأكاديمية لتكون ضاغطة على المجتمع العلمي، في جزء من مشروع يهودي يعمل على العقل الأوروبي، ليكون بهذا استعمارهم للعقل والفكر لا للأرض وحسب، متحدثًا أيضًا عن نفوذ اليهود على الديانة المسيحية واعتبارها امتدادًا لليهودية، وسعيهم للتغلب على الكراهية تجاههم بقتلهم المسيح، حتى إنهم استصدروا فتوى بتبرئتهم من دم المسيح من البابا نفسه.
مؤلف كتاب تهويد المعرفة
ممدوح عدوان (1941- 2004): كاتب وشاعر ومسرحي سوري.
تخرج في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب جامعة دمشق، وعمل في الصحافة وفي التدريس بالمعهد العالي للفنون، وله العديد من المجموعات الشعرية والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والكتب، إضافةً إلى العديد من الترجمات.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
حيونة الإنسان.
هواجس الشعر.
هملت يستيقظ متأخرًا.
المتنبي في ضوء الدراما.
محاكمة الرجل الذي لم يحارب.