تطور مفهوم التربية
تطور مفهوم التربية
في بادئ الأمر كانت البيئة قاسية، فارتكز اهتمام الآباء على توفير الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس، وكان الأطفال يساعدون عوائلهم في الأعمال، ويتزوجون فور بلوغهم ويعتنون بعوائلهم وتجارتهم، لكن مع ظهور الثورة الأمريكية اختلفت الأوضاع، فرفض الناس التسلسل الهرمي واتجهوا نحو الاهتمام بالعلم والتعلم، لكن نصف الأطفال في هذا الوقت قد فقدوا آباءهم وهم لم يتجاوزوا بعد سن البلوغ، فاضطروا إلى العمل لتأمين الحياة لأسرهم، كما اضطروا إلى ممارسة دور الأبوة كذلك.
وبحلول القرن التاسع عشر زاد توظيف الأطفال لكونهم عمالة رخيصة ومن السهل على الشركات تسريحهم عند عدم الحاجة إليهم، أما بحلول القرن العشرين فقد حدثت طفرة جراء قوانين منع الأطفال من العمل، وفُتحت أبواب المدارس أمام الأطفال، فتحول الطفل من مساعدٍ للأسرة يجلب إليها المال، إلى عبءٍ عليها يكلفها المال، ومن تلك اللحظة ظهر الاهتمام بالحالة النفسية والعاطفية للطفل، وظهر كذلك الأطفال المضطربون والمعتمدون على آبائهم، والآباء القلقون بشأن أطفالهم، وبدخول علم النفس في التربية، ظهر مفهوم أن التربية ليست غريزة فطرية، بل مهارة يجب دراستها وتعلمها، فظهر الاختصاصيون الذين دعوا إلى رواج كتب التربية وتوجيه الآباء إلى كيفية التعامل مع أبنائهم، وظل الوضع على ما هو عليه حتى أعاد الطبيب “بنجامين سبوك | Benjamin Spock”، زمام السيطرة على تربية الأبناء إلى الآباء، مشتهرًا بمقولته “أنت تعرف أكثر مما تظن”.
وفي عام 1969م، ظهرت حركة حب الذات التي ظهر معها آباء فرشوا البساط الأحمر لأبنائهم، ملبين بذلك جميع مطالبهم، مشبعين رغباتهم في أن يكونوا محبين ومحبوبين، فنتج عن ذلك جيل من النرجسيين. أما الآن، فنجد أن الآباء محاصرون من كل اتجاه، إذ أصبحت التربية تتسم بالتعقيد والتوتر، وتسمع من كل وادٍ أقوالًا متضاربة بين أساليب متساهلة وأخرى مسيطرة، وهذا ما يدفعنا إلى السؤال عن تأثير كل فعلٍ في أطفالنا وعن هدف التربية أساسًا.
الفكرة من كتاب نعمة الفشل، كيف يتعلم أفضل الآباء التجاهل حتى يتسنى لأطفالهم النجاح
هل تشعر بتماهي الحدود بينك وبين طفلك، فتارةً تعامله كصديق وتارةً أخرى تعامله كآمر له بشيء أو ناهيه عن آخر؟! نشعر أحيانًا بأن دورنا يكون متداخلًا ولا نستطيع الوقوف على حدوده، فما وظيفة الوالدين تجاه أبنائهم؟ نحن نعيش في مجتمع يكثر فيه الحديث عن الكوارث والأوبئة والأمراض النفسية والجسدية، ويحاول الأهل بكل طاقتهم توفير الحماية لأبنائهم بما يسمح لهم بممارسة حياة صحية سعيدة، هذا ما يرغب فيه كل والد، لكن أهذا ما يحدث بالفعل؟ أدركت الكاتبة أن السُّبُل المتبعة من الحماية والسيطرة للوصول إلى سعادة الطفل لا تجعله سعيدًا بالفعل، بل تجعله أكثر انحدارًا وتذبذبًا واضطرابًا تجاه الحياة والناس.
يبدو من عنوان الكتاب أننا سنمدح الفشل، ولِمَ لا؟! فالفشل هو الخطوة الأولى للنجاح، ولو لم ندرك أننا فاشلون في شيء ما، لما شعرنا بالرغبة في تعلمه، لذا علينا تقبل الفشل والانسحاب خطوات إلى الوراء، تاركين الساحة لأبنائنا ليخوضوا تجاربهم دون قيود أو مخاوف، لكن أولًا: متى ظهر اختصاصيو التربية؟
مؤلف كتاب نعمة الفشل، كيف يتعلم أفضل الآباء التجاهل حتى يتسنى لأطفالهم النجاح
جيسيكا لاهي : معلمة ومحاضرة وكاتبة، تدرس اللغة الإنجليزية واللاتينية وفنون الكتابة، كما كتبت في كل من مجلة ذي أتلانتك، وصحيفة نيويورك تايمز، وكان لها عمود نصائح نصف شهري بعنوان “اجتماع الآباء والمعلمين”، كما عملت معلقة في محطة فيرمونت بابلبك الإذاعية، وحصلت على الدكتوراه في علم القانون من جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، وقد ركزت على القوانين الخاصة بالأحداث والتعليم، ولها مؤلف آخر اسمه:
The Addiction Inoculation: Raising Healthy Kids in a Culture of Dependence.