بناء عالم من صُنع الإنسان
بناء عالم من صُنع الإنسان
إن الحضارة العالمية الجديدة تؤكد ذلك البناء الاجتماعي الذي يُشكِّله الإنسان وفق فهمه وقواه الذاتية، من أجل خلق عالم من صنعه، كما تحاول هذه الحضارة نسيان الله أو تغييره، وإحلال الإنسان محلُّه، والاستسلام للدنيا، أو تحاول استبدال الله باحتفاليات الفن، أو بالتعزية بالموسيقى الصاخبة المضجرة، إلى جانب أن الأبراج العالية تُعد تعبيرًا عن رغبة البشر الجامحة في السيطرة على السماء، وفي هذا يكمن جوهر التقدُّم، كما أن هدفهم أيضًا القطيعة مع “آدم”، للتخلُّص من صورة الله التي تعني في وعيهم تقييد حريتهم، وذلك عن طريق تغيير الطبيعة البشرية، وبناء الإنسان الجديد الذي يُعد “أوَّل البشر العابرين”، تتغلغل هذه الأفكار وتُشكِّل قناعات قادة العالم المعاصرين، وتعود جذور هذه الأفكار إلى “القابالا ووحدة الوجود” اليهودية، والمعتقدات المصرية القديمة، والفلسفة الهندوسية والبوذية والفيثاغورثية والأفلاطونية والهرمسية، وغيرهم، إلا إن أكثر هذه الاعتقادات تأثيرًا كانت “الغنوصية” الباطنية التي تعُد مزيجًا وخليطًا مما سبق.
ترى الغنوصية أن هناك عالمين: عالم النور والخير والمعرفة (وهو عالم روحي)، وعالم الظلام والشر والجهل (وهو عالم المادة)، وعندهم العالم نتج بسبب أخطاء، وخالقه هو مصدر الشر! وينظرون للإنسان بوصفه جوهرًا روحيًّا ثنائي الجنس، لا يحمل في ذاته أي بداية خاطئة، وهدفه في الحياة هو التخلُّص من قيود المادة والذوبان في الوجود الإلهي الشامل، وطريق الخلاص من المادة هو بالكشف عن السر الإلهي في النفس التي تظهر بالمعرفة الغيبية المنقذة (أي الغنوصية)، فهذه المعرفة الغيبية بالنسبة لهم قوة سحرية تُغير العالم وتمنح السلطة للإنسان، وبالتالي فإن الغنوصية تقسِّم البشر إلى طبقتين: “الروحانيين” وهم القادرون على تحرير عنصرهم الروحي، بينما “الجسديون والعاطفيون” -وهم الطبقة الثانية- لا يستطيعون تحرير أنفسهم، وتتكشَّف الشفرة الغنوصية نتيجة أعمال السحر والتأمل والتطبيقات السيكولوجية الروحية.
الفكرة من كتاب ديكتاتورية المستنيرين.. روح الإنسانوية العابرة وأهدافها
نشهد اليوم ثورة عالمية في المجال الثقافي تهدف إلى تغيير جوهر الإنسان ذاته، تحت شعار الإنسانية والتنوير والعقلانية، فالأقنعة واللافتات الفكرية التي يُروَّج لها كثيرة، لكن الجوهر واحد، إذ تقوم على أسسٍ دُنيوية صِرفة، ومحاربة الإيمان بالله، ومحاولة إلغاء سلطة الله واضعة مكانها القوَّة العالمية العُليا للإنسان الممثلة في أنتيخريستوس (المسيح الدجال)، وما المادية والإلحاد إلا حلقة وسيطة بين الإيمان بالله وأشكال إيمانية غيبية جديدة، والسحر والشعوذة المتصل بفساد كبير وانحلال أخلاقي، وقد تم تسخير كل شيء من عِلم وتكنولوجيا من أجل تغيير بناء الإنسان الروحي جذريًّا، ورفض الإنسان ذاته والقضاء عليه، برفع راية الإنسانوية العابرة حيث الإنسان الخارق (السوبر مان)، خارق الذكاء، الخالي من الأمراض، دائم الحيوية والشباب، الذي لا يجري عليه الموت أو الفناء!
مؤلف كتاب ديكتاتورية المستنيرين.. روح الإنسانوية العابرة وأهدافها
تشيتفيريكوفا أولغا نيكولايفنا: هي مؤرخة روسية، وباحثة دينية، تخرجت عام 1983 في معهد العلاقات الدولية بموسكو، وتعمل أستاذة مشاركة في قسم التاريخ والسياسة في أوروبا وأمريكا، كما أنها متخصِّصة في التاريخ الاجتماعي والسياسي لأمريكا اللاتينية، ومن مؤلفاتها:
خيانة في الفاتيكان.
عن السر.
الإنسانوية العابرة في التعليم الروسي.. أطفالنا بمثابة سلع.
ثقافة ودين الغرب.
تدمير المستقبل.
ذئاب ضارية.. من يقف وراء الفاتيكان.
معلومات عن المترجم:
الدكتور باسم الزعبي: وهو مترجم أردني، تخرج في جامعة روستوف السوفييتية بدرجة الماجستير عام في الأدب تخصُّص صحافة 1982، كما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من معهد الفلسفة التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية عام 1990، كما حصل على شهادة الماجستير في الإدارة والدراسات الاستراتيجية من كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية عام 2010، ومن مؤلفاته:
قيم الحياة عند أبي حيان التوحيدي.
الصحافة الشيوعية في الأردن وفلسطين.
دم الكاتب.
الموت والزيتون.
تقاسيم المدن المتبعة.
الحصان العربي.