اليعقوبية والعمل على تحقيق المساواة المادية

اليعقوبية والعمل على تحقيق المساواة المادية
في عام 1941م، صاغ «وليام تيمبل | William Temple» رئيس أساقفة يورك عبارة “دولة الرعاية”، لتكون في مقابل “دولة السلطة” التي أقامها الاشتراكيون القوميون الألمان، وذلك لتحقيق سياسة إعادة التوزيع والضمان الاجتماعي، ومن ثم برزت دولة الرعاية بصفتها البديل الوحيد لدى الدولة الشمولية التي صدرها الغرب إلى الشرق، ومع الوقت راقت دولة الرعاية العالم أجمع، وترجع بدايات دولة الرعاية إلى “الدولة اليعقوبية” بين عامي 1793م و1794م إبان الثورة الفرنسية، إذ تأرجح اليعاقبة بين الديمقراطية والدكتاتورية، فابتكروا دولة تعمل على تقديم خدمات اجتماعية وتخطط لمؤسسات الدولة مستخدمة في ذلك تشريعات هدفها رفع شأن الإنسان العادي.

وبتتبع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي باتت معترفًا بها، نجد أنها تشتمل على الحق في التحصيل العلمي، والحق في الإغاثة العامة، والحق في العمل وغيرها من الحقوق الأخرى، لكن بتتبع تلك الحقوق حتى نهاية الحرب العالمية الثانية نجد أنها لم تكشف عن نوع النظام السياسي الذي يمكنه إتاحة الحماية بأدنى قدر ملائم، ومن ثم كانت مهمة النظام القائم بدءًا من الدولة اليعقوبية وانتهاءً بدولة الرعاية التي ظهرت في القرن العشرين العمل على جعل مكان العمل أكثر إنسانية، وأن يوفر ملاذات آمنة كالتأمين ضد البطالة وتوفير خدمات أساسية في مجالات الصحة والإسكان، وتبع ذلك مسار آخر تمثل في إيجاد حد أدنى للمساواة في التوزيع بين أوساط المواطنين وتحديد حد أقصى للثروة ووضع قيود على الهرمية المادية.
وفي عام 1948م، قنّنت الأمم المتحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فيما عرف باسم “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، وعملت دولة الرعاية الديمقراطية المنتصرة في الحرب على مشروع سياسي طموح هدفه المساواة في التوزيع، لكنها في الوقت نفسه صُممت من أجل بعض المنتفعين في المجتمعات الوطنية، وأقامت امتيازات هرمية على أساس العرق والنوع الاجتماعي، وفي ما ظهرت ملامح للنمو تلاشت ببطء المحظورات الإلهية والقيود التي أملتها الضرورة الاجتماعية، ومن ثم اختفت المُثل الأخلاقية القديمة التي تخدم الفقراء كالإحسان ومحاربة العوز، وصار النضال من أجل مجتمع منصف غير ممكن عمليًّا، ومن ثم بقيت حقوق الفقراء أقل شيوعًا في عصر ما بعد الحداثة، وانحصر الإحسان إلى الفقراء في إطار سياسي يهدف إلى حماية المجتمع من الانهيار الاجتماعي، وبعد عصر حقوق الإنسان اختفت الدعوة إلى المساواة المادية وأصبح التركيز منصبًّا على تحقيق الكفاية.
الفكرة من كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
قبل عام 2008م، كانت حقوق الإنسان تُعد ضمانة للحياة الكريمة في مختلف أنحاء العالم، تسعى إلى توفير فرص متساوية وتؤكد عدم وجود حواجز تمنع ذلك. ومع ذلك، بدايةً من عام 2008م، ظهرت إحصائيات محبِطة على الصفحات الرئيسة للصحف، تشير إلى تصاعد الفجوة بين الأثرياء والفقراء بشكل متسارع في معظم البلدان. كما أظهرت التقارير أن عددًا قليلًا من رجال الأعمال يسيطرون على ثروة تفوق ثروة نصف سكان العالم، مما يجعل عصر حقوق الإنسان يبدو متعارضًا مع مفهوم العدالة في التوزيع، إذ أصبحت فترة تمكين الأثرياء. وفي سياق متصل تخلى المدافعون عن السوق الحرة عن هدف المساواة المادية، وجعلوا الأولوية لأمور لا تخدم فكرة حقوق الإنسان، مثل إنقاذ الفقراء بدلًا من العمل على تحقيق المساواة المادية، إذًا لنتتبع هذا السياق ونُلق نظرة متعمقة على هذه القضية.
مؤلف كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
صامويل موين: أستاذ القانون والتاريخ في جامعة ييل «Yale University»، ويشغل أيضًا منصب رئيس كلية جريس هوبر «Grace Hopper College»، حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الأوربي الحديث من جامعة كاليفورنيا – بيركلي في عام 2000م، كما حصل على درجة علمية في القانون من جامعة هارفارد في عام 2001. وهو زميل معهد «Quincy Institute for Responsible Statecraft»، ومن مؤلفاته:
اليوتوبيا الأخيرة: تاريخ حقوق الإنسان.
Liberalism against Itself: Cold War Intellectuals and the Making of Our Times
Humane: How the United States Abandoned Peace and Reinvented War
The Right to Have Rights
معلومات عن المترجم:
أمين الأيوبي: مهندس ومترجم لبناني، حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة عام 1989م من جامعة بيروت العربية، وبعد أن زاول مهنة الهندسة لمدة 7 سنوات، اختار أن يعمل في مجال الترجمة. من ترجماته:
طبيب في رئاسة الوزراء: مذكرات الدكتور مهاتير محمد.
العالم من دوننا.
الإصلاح الجذري: الأخلاقيات الإسلامية والتحرر.
الدولة: نظريات وقضايا.
الموضوعية.