المواقف المثالية
المواقف المثالية
تتسم هذه المواقف بفكرةٍ رئيسةٍ هي قاسمٌ مشتركٌ بين جميع آرائها، وهي إنكار اعتبار قوانين الطبيعة كمصدرٍ وحيدٍ للمعرفة، بل يدخلون مصادر أخرى كالعقل أو الحدس أو الوعي.
يرى كانط أن العقل الخالص هو المفسِّرُ للأشياء، فهو الذي يحدِّدُ ما ينبغي أن يكون، ويخضعُ له ما في الخارج من الأشياء.
ويرى إرنست كاسيرد أنه ليس هناك وجودٌ لهذا العقل الخالص الذي يفكِّر بمعزلٍ عما هو في الخارج، فعقل الإنسان لا يخلو من التأثرِ بالأشياء الخارجة عنه، ومن ثم فإن الأخلاق والقيم دائمًا تحت طور الترقِّي والتكوين خلال رحلة الإنسان.
ويرى ماكينزي أن القيم هي ما تخضع للاختبار العقلي ويقبلها العقل، ووجودها وجودٌ ذاتي لا يخضع للتغيير لكنها قد تتغيَّر باختلاف مراحل وعي الشخص، فهي نسبيةٌ في حق الأشخاص لكنها ذاتيةٌ في نفسها.
ويرى جود أن القيم هي أهداف وغايات نسعى لتحقيقها، لكنها تأتي من واقعٍ غير مادي لا يخضع للتفسير أو الاختبار، فالقيم لديه هي عبارة عن وسيط يظهر من خلاله العالم الحقيقي المعبِّر عن الإله.
ويرى نيكولاي أنه ليس بالضرورة أن تكشف القيم عن نفسها في الواقع الخارجي، فهي موجودةٌ بذاتها وإدراك العقل لها بالتأمُّل والبحث متأخِّر عن وجودها.
ويرى لافيل أن القيم هي كلُّ ما هو جديرٌ أن يراد، وتنقسم هذه القيم إلى عدة مستويات، أدناها القيم الانفعالية كالسعي وراء الحصول على اللذةِ والتخلُّصِ من الألم، وأعلاها القيم الروحية التي تتعالى بالإنسان إلى أعلى درجات الكمال.
الفكرة من كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
في ظلِّ هذا الكون الفسيح يتقاسم الإنسان إحساسًا بضآلته داخل هذا الكون، ويشعر بكونه ملقًى في الهواء لا يجد ما يتمسَّك به، ومع ذلك يراوده إدراك بأن له دورًا في هذا الكون ليقوم به، فلا يملك هذا الإنسان إلا أن يتمسَّك بشعاع النور، وهو القيَم لعلَّه يجد ما يحيا من أجله في هذا الكون.
فماذا تعني هذه القيم؟ وماذا كانت آراء من قاموا بتفسير طبيعة القيم والمسائل التي تتعلَّق بها قديمًا وحديثًا؟ وهل القيم من صنع البشر أم أن وجودها يأتي من خارج هذا العالم؟ وهل القيم مجرد وسيلة إلى غاية أعظم منها أم أنها غاية تُطلَب لذاتها؟
ومن خلال آراء من قام بمحاولة الإجابة على هذه التساؤلات، سنجد من يغوص داخل النفس الإنسانية باعتبارها محلًّا للقيم، ومن يبحث في المجتمعات باعتبارها موضع أثر هذه القيم، ومن يبحث في الطبيعة باعتبار كون الإنسان جزءًا منها، ومن يبحث فيما وراء الطبيعة بحثًا عن معانٍ لا تدرك بالحواس، وإنما تدرك بالعقل والفكر.
يُحدِّثنا الكتاب حول طبيعة القيمة، والمواقف والآراء المختلفة التي قيلت فيها، ويجيب في النهاية عن بعض الأسئلة المهمة التي تتعلَّق بموضوع القيمة.
مؤلف كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
صلاح قنصوة: مفكر وفيلسوف مصري، ولد في القاهرة عام 1936م، حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة القاهرة، وعمل رئيسًا لقسم الفلسفة في جامعة الزقازيق، كما حصل على دكتوراه في مناهج البحث من دولة النرويج.
أعطى اهتمامه الأكبر في مؤلفاته إلى علم الفلسفة، ويعدُّ الكتاب الذي في أيدينا من أهم الكتب التي ألَّفها، وله عدة مؤلفات أخرى مثل: “كتاب فلسفة العلم”، و”اغتراب العلم”، و”في فلسفة الفن”، و”العلم والدين وأسلمة العلم”، إلى غير ذلك من المؤلفات الفلسفية الأخرى.