المقاطعة في التاريخ القديم

المقاطعة في التاريخ القديم
كثيرة هي أمثلة المقاطعات الاقتصادية عبر التاريخ، فقد عَرفها الناس منذ بدء الاجتماع الإنساني، واستعملت بوصفها وسيلة لإضعاف الخصوم، أو تعبيرًا سلميًّا عن رفض ما يفعله شعب آخر أو حكومته.

ومن أمثلة المقاطعة ما ذُكر في القرآن الكريم في قصة يُوسُفَ عليه السلام، إذ منع الميرة والإمدادات الغذائية عن إخوته إن لم ينفذوا شرطه بإحضار أخيه إليه، ومثال آخر، مقاطعة مشركي قريش للنبي ﷺ وبني هاشم والمسلمين، إذ انعزلوا في شِعب أبي طالب، واتفق المشركون في حصار اجتماعي واقتصادي ألا يجالسوهم أو يتزوجوا منهم أو يبيعوهم شيئًا، واستمر ذلك لثلاث سنوات.
وحين أعلن الصحابي ثُمامة بن أُثالٍ إسلامه وذهب إلى قريش معتمرًا، عابت عليه قريش إسلامه، فحلف أن يمنع بيع الحنطة لأهل مكة من اليمامة حتى يأذن رسول الله ﷺ، فبعث أهل مكة إلى النبي ﷺ يسترضونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة ليسمح ببيع الحنطة لهم ففعل ﷺ، وهذا مثال على فرض شخص ذي تأثير اقتصادي مقاطعةً لإيذائهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي المعارك عبر التاريخ كان الخصوم يتخذون الحصار الاقتصادي وسيلة للضغط على خصومهم في الحصون، فالإسبان مثلًا قصفوا مؤن المسلمين في الحصون لتقليص مدة الحصار، ويُحكى أن الإسكندر الأكبر بعث تجارًا متنكرين إلى مدينة حصينة ليشتروا من أهلها الميرة، فلما جمعوا غالبها أمرهم بإحراق ما معهم والهروب، وسرعان ما استسلمت المدينة للإسكندر بعدها.
ودفعت الحروب الصليبية المسلمين إلى مقاطعة البضائع الرومية والإفرنجية، وصَنَّفَ «الإمام الطَّرْطُوشِيُّ المالكي» كتابًا في تحريم جُبْن الروم وحتى تحريم الشراء من المكان الذي يُباع فيه، وفي القرون الوسطى كان لاتحاد كبار التجار -المعروف باتحاد الهانزا في ألمانيا- سلطة المقاطعة الاقتصادية لمدينة ما لسبب أو لآخر.
الفكرة من كتاب المقاطعة الاقتصادية: سلاح الشعوب
تمثل العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين الشعوب ضرورة كبيرة للمجتمعات الإنسانية، وقد تطورت تلك العلاقات عبر التاريخ حتى أخذت شكل النظام الاقتصادي الحالي في ظل العولمة، ما يجعل الإضرار بشركاتٍ تابعة لدولة معينة يؤثر في عجلة الاقتصاد فيها، مما قد يدفعها إلى تغيير مواقفها السياسية وغيرها، والمقاطعة الاقتصادية معروفة منذ قديم الزمان على أنها وسيلة لإضعاف الخصوم، أو تعبير سلمي عن رفض لمواقف شعب أو حكومة في بلد آخر.
وفي السنوات الأخيرة تكررت دعوات المقاطعة في بلادنا، فما تاريخ المقاطعة الاقتصادية؟ وهل هي نافعة حقًّا؟ وكيف هي نظرة الشريعة الإسلامية إليها؟ وما الذي يعوقها عن تحقيق أهدافها؟ هذا ما نحاول أن نجيب عنه مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب المقاطعة الاقتصادية: سلاح الشعوب
عرابي عبد الحي عرابي: باحث سوري تركي، ولد بحلب عام ١٩٨٥، ونال الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الشريعة في جامعة دمشق في عام 2009، وحصل على الماجستير في علم الكلام من جامعة «تراكيا | Trakya» في عام 2017، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة «تشاناكالي | Çanakkale» عام 2023، وله دراسات تخصصية في الفلسفة وعلم الكلام والشؤون السياسية والفكرية، وعمل مديرًا علميًّا لمؤسسة السبيل.