الفكر الديالكتيكي تاريخيًّا
الفكر الديالكتيكي تاريخيًّا
الديالكتيك هي كلمة يونانية تعني محادثة أو مجادلة، وظهرت أول ما ظهرت كمصطلح علمي على يد الفيلسوف اليوناني “هيرقليط” الذي كان يرى أن الأشياء والظواهر تتغيَّر وتتطوَّر من حال إلى حال، ومن ثم فإن كل شيء في حالة صيرورة مستمرَّة ضمن ذاته؛ وكان هيرقليط ومن تبعه يردُّون بهذا المفهوم الديالكتيكي على الذين كانوا يرون العكس، بأن الأشياء والظواهر جامدة الذات، لا تتغيَّر ولا تتحرَّك، وظل الديالكتيك طريقة علمية في المجادلة لا أكثر حتى جاء الفيلسوف الألماني “هيجل”.
يرى هيجل أن وجود أي شيء في الخارج ما هو إلا ثمرة الإبداع الفكري له؛ فالفكر يبدع الشيء صورة ومثالًا، ثم يدفعه إلى الخارج حقيقة مطابقة لذلك المثال، ويضرب البوطي مثالًا توضيحيًّا للهيجلية، بأن الوجود الأصلي للشجرة كامن في نواتها، كذلك الوجود الأصلي لأي شيء من الموجودات التي نراها من حولنا كامن في جذورها التي أشرقت قبل كل شيء مثالًا وتصورًا في ساحة الفكر، وبالتالي فإنه من دون الفكر لا يتحقَّق الوجود المطلق، ومن دون الوجود المطلق لا يتحقَّق الوجود الخارجي الذي يتم نسجه أولًا في الفكر.
ثم تطوَّر الديالكتيك مرة أخرى على يد الفلاسفة الماركسيين (ماركس، وإنجلز، ولينين)، إذ يرون أن الأشياء في صيرورتها وتطورها الخارجي ليست انعكاسًا لما يجري في الفكر كما يقول هيجل، بل العكس هو الصحيح، فما يجري في الفكر بمثابة انعكاس لصيرورة الأشياء وتطوُّرها في الخارج، فهيجل يجعل الفكر هو الأصل وأشياء المادة من ثماره، بينما الماركسية تجعل أشياء المادة هي الأصل والفكر من ثمارها.
الفكرة من كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
تكمن خطورة المادية الجدلية -مثلما يرى البوطي- في انبهار ذوي الثقافة المحدودة بها وانجذابهم إليها بعيدًا عن مقتضى العقل ورقابته الموضوعية الواعية، فدُعاة الشيوعية يقدِّمونها للناس على أنها واقع الكون والحياة الإنسانية الذي لا سبيل إلا الخضوع لها، والعلاج من هذا الانبهار والانجذاب إلى تلك الفلسفة يكمن في الرجوع إلى الفكر والعقل، فمن خلال العقل والمنطق الموضوعي سنجد أن المادية الديالكتيكية تتعارض بشكلٍ فجٍّ مع حقائق ووقائع التاريخ، كما أنها تخالف في كثير منها مقتضى العقل، بالإضافة إلى تعارضها مع العلم.
مؤلف كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: عالم سوري، وأحد علماء الإسلام الأفذاذ، له عشرات الكتب في علوم الشريعة، والآداب والتصوُّف والفلسفة والاجتماع، كما أن له كتبًا في نقد الإلحاد والفلسفات المادية، ومن مؤلفاته: “كبرى اليقينيات الكونية”، و”اللامذهبية أخطر بدعة تهدِّد الشريعة الإسلامية”، و”حرية الإنسان في ظلِّ عبوديته لله”.