الشعبوية والأخلاق
الشعبوية والأخلاق
يوجد مفهومان للأيديولوجيا الشعبوية، مفهوم “أدنوي أو هزيل التمركز” يرى أن الشعبوية عبارة عن أيديولوجيا أخلاقية ونمط من السياسات الأخلاقية تقوم على تقسيم الفضاء الاجتماعي إلى قسمين، الشعب الأخلاقي النقي، ومؤسسة الحكم الفاسدة، ومن ثمَّ فإن الشعبوية من خلال هذا المفهوم تُعد ضربًا من الأخلاق تقترن بممارسة السلطة السياسية أو عدم ممارستها، لذلك فإن الزعماء الشعبويين لا يأتون من داخل السلطة السياسية القائمة، بل من خارجها، وهذا ما يجعل ادعاءاتهم أنهم أنقياء قابلة للتصديق، ولا عجب أن أصحاب المليارات (كدونالد ترامب) مناسبون للحجة الأخلاقية الشعبوية المناهضة للنخب وخطابهم، لأن حكم الشركات الكبرى لا يحظى بالسلطة القاهرة نفسها التي تحظى بها سلطة الدولة، وفي المقابل يوجد مفهوم آخر للأيديوولجيا الشعبوية هو مفهوم “أقصوي أو مكتنز” يرى أن الشعبوية تتمركز حول ثنائية “الأكثرية” في مقابل “الأقلية المتنفذة”، وتشكِّل هذه الثنائية صراعًا أخلاقيًّا ومعنويًّا بين الشعب والأوليغاركية، ومن هذا المنطلق تستعين الشعبوية بقاعدتها الشعبية إلى جانب العثور على زعيم قادر على تجسيد تلك القاعدة.
أضف إلى ذلك أنه مع تراجع مصداقية المنظمات الوسيطة بين الشعب ومؤسسة الحكم كالأحزاب ووسائل الإعلام التقليدية، مع تنامي الاختلال الوظيفي الدستوري بالضبط والموازنة، تصبح التنديدات الشعبوية بلا أخلاقية الأقلية المتنفذة لها تأثير كبير، لذا فإن الشعبويين يطعنون ويشككون في بنية التمثيل الانتخابي الذي هو جوهر الديمقراطية التمثيلية، لأنها سبب ضياع السلطة وتعزز الانقسام بين الأكثرية والأقلية المتنفذة، وتمنع تجسيد الأكثرية العادية ضمن زعيم معبّر ومدافع عنها.
من هنا، فإن مسار الزعيم الشعبوي يبدأ بمناهضة مؤسسة الحكم السياسية، ويقوم خطابه على أنه (رجل من الشعب) و(فرد من الشعب)، إذ كان لزامًا عليه أن يظهر للشعب أنه أصلي وينتمي إليهم حتى يحصل على التأييد، ثم عليه تقديم نفسه على أنه الممثل الوحيد للشعب، وعندما يصل إلى السلطة ويُهمِّش الأحزاب التقليدية القديمة، فإنه يستمر في مهاجمة النخب السياسية الأخرى حتى يتفادى السقوط في فخ التلوث كما سقطت النخب السياسية التي سبقته، ويتجنب وصمه بالفساد واللا أخلاقية السياسية كما وُصِف من سبقوه، مرسلًا بذلك صورة مفادها أنه في معركة جبارة مع مؤسسة الحكم الراسخة للحفاظ على نقائه السياسي، وبعد حصوله على الأغلبية تكون الخطوة التالية هي تغيير الدستور وإعادة تحديد وظائف المؤسسات القائمة، وهذا بالضبط ما فعله “هوغو تشافيز” رئيس فنزويلا السابق، إذ فرض إرادته عن طريق تفويض واستفتاء شعبي، وحلَّ المجالس التشريعة ووضع دستورًا جديدًا متضمنًا أفكاره.
الفكرة من كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
تتحدث المؤلفة عن الشعبوية وتكشف أنها ظاهرة قديمة وليست حديثة، إلا أن ما يُميزها اليوم عن الأمس أنها أصبحت متفشية في جميع البلدان بما فيها البلدان الديمقراطية، وتُبين أن الشعبوية في صورتها الحالية تُعد واحدة من أنماط الحكم التمثيلي المشوّه، الذي يهدف إلى إحلال الديمقراطية الشعبوية بوصفها تجسيدًا للشعب محل الديمقراطية الحزبية بوصفها تفويضًا من الشعب، ومن ثمَّ توضِّح أن الشعبوية عبارة عن علاقة مباشرة بين الزعيم الشعبوي والشعب الصالح دون أي وسطاء كالأحزاب، وأنها تظهر نتيجة تآكل الأحزاب السياسية التقليدية، كما استعرضت الدور الذي يقوم به الزعماء الشعبويون في المعارضة وبعد الوصول إلى السلطة من أجل الحفاظ على مكانتهم بين جمهور المتلقين.
مؤلف كتاب أنا الشعب… كيف حولت الشعبوية مسار الديموقراطية
ناديا أوربيناتي : هي أستاذة كرسي للنظرية السياسية في جامعة كولومبيا، من كتبها:
Mill on Democracy.
معلومات عن المترجم:
عماد شيحة: هو كاتب ومترجم وروائي سوري، تخرج في كلية العلوم بجامعة دمشق، كما حصل على درجة الليسانس من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، من أعماله:
رواية “موت مشتهى”.
رواية “غبار الطلع”.
من ترجماته:
صدام الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط.
اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.