السكان والموارد
السكان والموارد
ما زال الإنسان منذ أن وطأ بقدمه الأرض وهو في صراع دائم مع الطبيعة من أجل البقاء، صراع قديم يتجدَّد كلما دقَّ الفقر أبواب الدول، ويعدُّ أشهر من كتبوا في هذا الصدد هو توماس روبرت مالتوس الاقتصادي الكلاسيكي المشهور في مقاله نظرية السكان وتأثيره في مستقبل المجتمع وتطوره، حيث تلخَّصت نظريته في أن السكان كل 25 سنة يتزايدون بمعدلات أكبر (متوالية هندسية) من زيادة الموارد (متوالية عددية)، ونتيجة لذلك ستحدث فجوة بين السكان والموارد على المدى الطويل، وإن لم يتدارك الإنسان الأمر ستتدخَّل الطبيعة بوجهها القبيح لتتولى الأمر عبر المجاعات والكوارث.
ورغم أن البعض كان يرى في مالتوس تشاؤمًا غير مبرر حيال المستقبل، فإن نظريته ستبقى ناقوسًا يقضُّ مضاجع الدول والمجتمعات الفقيرة التي لا تعي حجم المخاطر الكامنة نتيجة الخلل في التوازن بين معدلات الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي، مما يؤثِّر بالسلب في قدرتها في توفير خدمات التعليم والصحة والأمن الغذائي وغيرها من مقومات الحياة، ومع ذلك فمشكلة السكان ليست مجرد أعداد، فالصين والهند تجاوز مجموع أعداد السكان لديهما المليارين ونصف المليار من السكان، ورغم ذلك تعدُّ مستويات المعيشة لديهما أفضل بكثير من العديد من الدول الأخرى الأقل كثيرًا في أعداد السكان.
لذا يجب على الحكومات والدول العمل في عدة جبهات متعددة، فمن ناحية تعمل على تحقيق الاستغلال الأمثل من جميع مواردها المتاحة وإدارتها بالكفاءة المطلوبة، ومن ناحية أخرى تعمل على تعظيم قيمة رأس المال البشري لديها عبر تطوير القدرات البشرية والاهتمام بجودة التعليم والتدريب المتاح، بالإضافة إلى استقدام التكنولوجيا الملائمة والعمل على توطينها، والعمل على تغيير الأنماط والعادات غير المرغوبة، وكذا توفير ضمانات اجتماعية حقيقية تكفل الحقوق الإنسانية الأساسية، كل تلك السياسات من شأنها ليس فقط الحفاظ على معدلات مرتفعة من التنمية المستدامة، بل ستساعد على تأمين حق الجميع في حياة حرة كريمة.
الفكرة من كتاب مستقبلنا المشترك
لقد شاءت حكمة الله أن يجعل الأرض محور الحياة الإنسانية، فأمدَّها بجميع ما يحتاج إليه الإنسان الذي تمكَّن من تطوير حضارات متقدِّمة أتاحت فرصة الارتقاء وتحقيق الرفاه عبر الاستفادة والتمتُّع بالثروات الطبيعية الهائلة وتحقيق التقارب بين أجزاء الكرة الأرضية بواسطة التقدم في وسائل الاتصالات والمواصلات الحديثة، ولكن هل لتلك الأشياء أن تستمر في المستقبل؟! فإذا كان الغد وليد الحاضر فعلينا أن نقلق جراء تلك الممارسات غير المسؤولة من البشر والتي تهدِّد النظام الكوكبي بأكمله، فهذا الكتاب أشبه بناقوس خطر لمستقبل مجهول!
مؤلف كتاب مستقبلنا المشترك
اللجنة العالمية للبيئة والتنمية: تمَّ تشكيلها في إثر قرار الجمعية العامة رقم 38/161 الصادر عن الدورة الـ38 للأمم المتحدة في خريف 1983، وقد عملت اللجنة بوصفها هيئة مستقلة على بناء مستقبل أكثر ازدهارًا وعدالةً وأمنًا، لأنها تستند إلى سياسات وممارسات من شأنها توسيع واستدامة القاعدة البيئية للتنمية في مجالات السكان والطاقة والصناعة والأمن الغذائي، والعلاقات الاقتصادية الدولية والتعاون الدولي وإدارة البيئة.