الرحالة المسلمون
الرحالة المسلمون
قلَّت الرحلات في عصر صدر الإسلام لانشغال المسلمين بشؤون الدعوة في الجزيرة، ولكن يمكن اعتبار الهجرة إلى الحبشة ثم الهجرة الكبرى إلى المدينة أهم رحلات المسلمين في هذا العصر، كما تتحدَّث الروايات عن رحلة قام بها عبادة بن الصامت وأخرى لتميم الداري كانتا في عهد رسول الله، وتحدث الأخير عن رحلة له في بحر الشام حيث انتهت به العواصف إلى جزيرة مهجورة رأى وأصحابه فيها المسيخ الدجال، وإن كانت هذه الرواية مشكوكًا فيها، ثم توسَّعت آماد الرحلة أكثر في عهد الخلفاء الراشدين نتيجة للفتوحات الإسلامية، وقد ساعدت خبرة الرحالة الذين ضربوا في مناكب الأرض الجيوش الإسلامية على قطع الصحاري والقفار وعبور البحار، ثم تتابعت مهمة الرحالة لاكتشاف الوديان والقرى والأقاليم المجهولة حتى أصبحت الرحلة جزءًا من حياة العربي العلمية والسياسية والدينية.
كما أدَّى يسر الأحكام الشرعية من إباحة التيمُّم وقصْر الصلوات والجمع بينها ورخصة الفطر في رمضان، والحثُّ على طلب العلم وإكرام الضيف إلى تشجيع السفر والارتحال لدوافع ذاتية أو عامة، وهذه الدوافع بنوعيها لا تخرج عن دوافع دينية كالحج إلى بيت الله الحرام حتى صار مصطلح “الرحلات الحجازية” ذائع الصيت في الآداب الإسلامية والعالمية، ودوافع علمية، مثل كتاب المسعودي “الرحلة في طلب العلم”، ودوافع سياسية فكانت الوفود تُبعث من الخلفاء والأمراء لتنظيم شؤون الدولة وعلاقات الحرب والسِّلم، وكان للرحلات التجارية أثر كبير في نقل الآداب والثقافة الإسلامية إلى البلاد التي ذهبوا إليها، وعادوا منها بذخيرة معرفية كبيرة أيضًا، ومن أشهر الرحالة ياقوت الحموي وابن فضلان وابن جبير وابن بطوطة.
الفكرة من كتاب كتابات الرحالة مصدر تاريخي
يقول ابن خلدون: “فالرحلة لا بد منها في طلب العلم ولاكتساب الفوائد، والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال”، وكتابات الرحالة ذاكرة تاريخية مهمة وإن كانت لا تُصنَّف ضمن كتب التاريخ لكنها حوت معلوماتٍ مفيدة للغاية لدارس التاريخ لأن الرحالة يدوِّن الأحداث التي استهوته خلال الرحلة ويصف المعالم والآثار التي شاهدها ويحلِّل عادات وتقاليد القوم الذين عاينهم ويرسم أنماط حياتهم الاجتماعية والسياسية، ما يقلُّ الالتفات إليه من جانب المؤرخين المعنيين بتسجيل الأحداث الكبيرة وسير العظماء.
مؤلف كتاب كتابات الرحالة مصدر تاريخي
الدكتور علي عفيفي غازي: ولد في ١٥ فبراير ١٩٧٩، وحصل على ليسانس الآداب في التاريخ من جامعة الإسكندرية ثم شهادة الماجستير في الآداب من قسم التاريخ والآثار المصرية والإسلامية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وكان موضوع رسالته للدكتوراه “رؤية الرحالة لقيم وعادات عشائر العراق (١٨٠٠ – ١٩٥٨)”، وعمل مديرًا لمكاتب جريدة “الشرق العربي” بجمهورية مصر العربية منذ يناير ٢٠٠٧ ومشرفًا عامًّا على جريدة “أخبار كفر الشيخ”، وهو عضو بالجمعية المصرية للدراسات التاريخية.
أبرز مؤلفاته:
– رؤية الرحالة للمرأة البدوية في العراق والجزيرة العربية.
– الخط العربي في كتابات الرحالة الغربيين.
– الجزيرة العربية والعراق في استراتيجية محمد علي.