الحرب ضد مروجي الأمراض النفسية

الحرب ضد مروجي الأمراض النفسية
إن إساءة استعمال الدواء مشكلة صحية عامة، فالأدوية التي تروجها شركات صناعة الدواء، مثل فايزر واسترازينكا وجينسن وإيلي ليلي، أصبحت تعادل في خطورتها خطورة ترويج العصابات للمخدرات من أجل المال وجني الأرباح، ومن ثم فإن ترويض تضخم التشخيص الذي تدفع به هذه الشركات يمكن الحد منه من خلال الآتي: أولًا: حظر الإعلانات المباشرة للمستهلك في التلفاز والإنترنت. ثانيًا: حظر تقديم شركات الأدوية للهدايا والرحلات للأطباء وطلاب الطب. ثالثًا: حظر ذهاب مندوبي الشركات إلى المستشفيات وعيادات الأطباء لترويج منتجاتهم. رابعًا: منع إعطاء العينات المجانية بهدف الدعاية والتسويق للدواء. خامسًا: حماية عوام الناس من المعلومات الطبية المضللة.

هذا إلى جانب العمل على وجود رقابة فعالة على “الصيدليات” للحد من صرف الدواء دون وصفة طبية، فهذا يجعلنا نتتبع الدواء الذي سوف يوصلنا إلى هوية الأطباء الذين يفرطون في وصف أدوية لمرضاهم، ومن ثم إيقافهم عن مزاولة مهنة الطب، لأن الأطباء بالنسبة إلى شركات الأدوية كالصبي بالنسبة إلى تاجر المخدرات، وبناءً على ذلك إذا علم الأطباء أن هناك عينًا تراقبهم فسوف يتشددون في التشخيص الفضفاض والامتناع عن وصف الأدوية المفرط لمرضاهم، هذه هي المعركة التي علينا أن نخوضها ويمكننا أن ننتصر فيها بكل سهولة.
وفوق ذلك كلّه لا بد من وضع معايير تعمل على تضييق الدليل التشخيصي والإحصائي الفضفاض، وذلك يكون من خلال تغيير التشخيصات الموجودة، لتتطلب مزيدًا من الأعراض أو مدة أطول أو تدهورًا مضاعفًا أو كل ما سبق، بالإضافة إلى تعليم الأطباء النفسيين نهجًا مختلفًا للتشخيص النفسي يعتمد على التدرج في التشخيص وليس التسرع، ومن ثم لا بد من تجنب تشخيص المريض من الزيارة الأولى، لأن ذلك يتنافى مع الدقة في التشخيص وقطعيته، كما أن معظم الناس غالبًا ما يتعافون مع الزيارة الخامسة أو السادسة.
كما يقع على عاتق المريض أن يمتلك حِس المستهلك الذكي، فلا تبدأ في تناول الأدوية وأخذ العلاج بشكل عرضي أو بناءً على الجهل، فلكي تحصل على تشخيص جيد لا بد من أن تكون صادقًا مع نفسك ومع طبيبك، فالطب النفسي ليس فيه فحوص مخبرية، لذلك من المستحيل أن تُشخَّص مشكلتك بشكل دقيق دون مساعدة صادقة منك، وقبل أن تتجه إلى زيارة الأطباء تابع نفسك وصِف أعراضك التي تظهر عليك ودوّنها، حدد العرض ومدته وشدته وما يشعرك بتحسن وما يشعرك بالسوء، فتلك الأمور هي التي تشي بحالتك وتمكن الطبيب النفسي من تشخيصك بدقة.
الفكرة من كتاب إنقاذًا للسواء.. ثورة مُطلع ضد تضخم التشخيصات النفسية DSM-5، شركات الأدوية الكبرى، وتحويل حياة السواء إلى حياة مرضية
يرى آلن فرانسيس أنه في الوقت الذي يشعر فيه مواطن في آسيا أو إفريقيا أن بلاده متأخرة في مجال فهم علل النفس البشرية والطب النفسي، يوجد مواطن آخر في الولايات المتحدة وأوربا يتلقى تشخيصًا كاذبًا، ويأخذ علاجًا دون الحاجة إليه بسبب ترويج أمراض زائفة، الهدف من ورائها تحقيق الربح لشركات الأدوية الكبرى، لذا يؤكد المؤلف أهمية وضع حد فاصل بين المرض والسواء للحفاظ على حياة الأشخاص الطبيعيين والأسوياء، فليس كل حزن يعد اكتئابًا، وليس كل طفل كثير الحركة يُشخص بأنه مصاب بفرط الحركة وتشتت الانتباه، ويحذر المبالغةَ في تشخيص السواء، فالمجتمعات ليست غالبيتها مريضة، بل العكس.
مؤلف كتاب إنقاذًا للسواء.. ثورة مُطلع ضد تضخم التشخيصات النفسية DSM-5، شركات الأدوية الكبرى، وتحويل حياة السواء إلى حياة مرضية
آلن فرانسيس: هو أستاذ فخري ورئيس سابق لقسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة ديوك، ترأس فريق عمل الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع DSM4، وكان مساعدًا مع المجموعة الرئيسة للدليل التشخيصي والإحصائي الثالث DSM3، من مؤلفاته:
Differential Therapeutics
Your Mental Health
Essentials of Psychiatric Diagnosis
معلومات عن المترجم:
سارة اللُّحَيْدَان: مترجمة سعودية، من ترجماتها:
نضال من أجل الرحمة: بناء التعاطف داخل عالم ممزق.
الأسس الثقافية للتحليل النفسي السياسي.