الانتقال بالمعارف
الانتقال بالمعارف
ولما كانت المعرفة هي الإدراك والفهم للحقائق عن طريق العقل المجرد بتفسير الأحداث والوقائع إما دراسة ورصدًا أو عن طريق التأمل والتفكر تواترت آيات القرآن الكريم وتكاليفه الأولى للحض على ذلك، فلم يكن عبثًا أن كان أول تكليف منزَّل من السماء ﴿اقْرَأْ﴾، وهي الكلمة الأولى التي نزلت من كلام الله محمَّلة بكل الإشارات والدلالات والمعاني ومحرِّضة على القراءة وتقصِّي دروب المعرفة، فتنزَّلت الآيات الأولى بخطاب معرفي صرف يحثُّ على طلب العلم ويشير إليه بأدواته معتبرة كإقرا والقلم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
ولأن الخطاب القرآني جاء مخاطبًا عقولًا أقرب ما تكون إلى المادة الخام لم تحظَ بنصيب كافٍ من المعرفة وتعاني طفولة فكرية ورواسب جاهلية، أسهمت التوجيهات التكليفية المعجونة بدعوى الإيمان ومعطيات المعجزة في إعادة برمجة العقول لتصبح أكثر قابلية لاستيعاب وتشرُّب المضامين الجديدة، وأكثر نشاطًا للانطلاق نحو تحقيق الغايات الكبرى بقدر عالٍ من الهمة والطموح.
ولم يكن هذا ليتحقَّق على هذا النحو من الزخم والتأثير لولا التوجيه المعرفي الدائم في الخطاب القرآني نحو السؤال والبحث ومحاولات التغذية المستمرة للفضول المعرفي، مخلِّقة بذلك بيئة عملية تتعاضد فيها كل مواصفات وشروط ومؤهلات للإنجاز والعطاء.
الفكرة من كتاب أصول تشكيل العقل المسلم
جاء هذا الدين الجديد حاملًا معه لواء التغيير للتصوُّرات والمعتقدات والمنهجيات وآليات العمل، يتقابل فيها علم الله اللامحدود مع العقل البشري وإمكاناته المحدودة، موضحًا كيف يمكن للعقل الإنساني هضم هذه التصوُّرات وتشرُّبها لتتفتَّح أمامه فيما بعد مساحات من الآفاق الواسعة التي تدفعه بدورها إلى مقدمة التاريخ مشاركًا وفعالًا يقفز عبر الزمان والمكان متجاوزًا حدود المنطق في توافق وانسياب مع سنن الكون ونواميسه ضمن عملية تبادلية فائقة التناظر من الأخذ والعطاء تسير في مساقات واحدة وتصبو نحو تحقيق هدف واحد.
مؤلف كتاب أصول تشكيل العقل المسلم
الدكتور عماد الدين خليل الطائي، ولد في الموصل عام 1941م، وهو أديب ومؤرخ عراقي الأصل وحاصل على إجازة في الآداب من جامعة بغداد عام 1962م، وماجستير في التاريخ الإسلامي عام 1968م ودكتوراه في التاريخ الإسلامي، وله مؤلفات كثيرة في التاريخ والأدب والمسرح والشعر والفنون والدراسات النقدية.
وله نشاطات علمية عديدة، إذ عمل مشرفًا على المكتبة المركزية في جامعة الموصل عام 1986م، وشغل منصب العميد في الجامعة لأعوام، واشتغل مديرًا لقسم التراث ومكتبة المتحف الحضاري في المؤسسة العامة للآثار والتراث في الموصل (1977/ 1978)م، وعمل أستاذًا للتاريخ الإسلامي ومناهج البحث وفلسفة التاريخ في كلية آداب جامعة صلاح الدين في أربيل (1987/ 1992)م، ثم في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي (2000/ 2002)م.
من مؤلفاته: “مدخل إلى الحضارة الإسلامية”، و”مدخل إلى التاريخ الإسلامي”، و”أشهد أن لا إله إلا الله (سيرة ذاتية)”، و”الغايات المستهدفة للأدب الإسلامي: محاولات في التنظير والدراسة الأدبية”.