الاحتياجات الأساسية وحقوق الإنسان

الاحتياجات الأساسية وحقوق الإنسان
كانت التنمية على مستوى دولي شأنًا ثانويًّا مقارنة بالمشاريع التي ساندتها النخب في كل دولة تحررت من الاستعمار تحقيقًا للنمو وإشاعة الحداثة في دولها، وتحت تأثير نظرية التحديث كان الأمريكيون يبررون الحكم الاستبدادي ودعمه بوصفه طريقًا مختصرًا للشروط المادية السابقة على الازدهار، وكان الهدف من ذلك في الأساس هو تبرير سياساتهم التي لا يمكن الدفاع عنها في جنوب فيتنام في أثناء الحرب. ورغم المعاناة باسم التقدم المستقبلي ظَلَّ النمو غير متكافئ في جميع أنحاء العالم خصوصًا في دول ما بعد الاستعمار، إذ لم تلحق الدول الفقيرة بركب التنمية، كما اتضح أن الخطوات الكبيرة التي تخطوها في سبيل التنمية أبقت فقراءها وراءها، فقد كانت بين النمو القومي وبين انعدام المساواة في توزيعه علاقة عكسية.

وقد وجد الخبير الاقتصادي في مجال التنمية «محبوب الحق» أن المؤسسات التي تُبنى من أجل تحقيق نمو سريع هي التي تحبط جميع محاولات تحقيق توزيع أفضل وعدالة اجتماعية أكبر، لذا رأى أن قبول انعدام المساواة هو أول طريق الحكمة، لأن الفجوة تتسع باطّراد بين الدول الغنية والدول الفقيرة ولا أمل في انعكاس هذا الاتجاه، ومن ثم خلص إلى أن “الكفاية العالمية” أفضل أمل متاح، وفي حديث له عام 1971م عبر عن أهداف التنمية بقوله: “يجب التعبير عن أهداف التنمية بدلالة الخفص المطرد لسوء التغذية والمرض والأمية والفساد السياسي والبطالة وصور انعدام المساواة وإزالتها بالكامل في نهاية المطاف”. وبدا للكثيرين أن خطاب الكفاية محاولة للتخلي عن المساواة، ومحاولة لتلطيف مطالب دول جنوب العالم التي تطالب بالمساواة.
وفي عام 1980م، طرح الخبير الاقتصادي في مجال التنمية «بول ستريتن | Pual Streeten» سؤالًا مضمونه: هل الاحتياجات الأساسية حق من حقوق الإنسان؟ أم إن حقوق الإنسان نفسها احتياجات أساسية؟ وكان قبل انتقاله للعمل في البنك الدولي يرى أن حقوق الإنسان ليست قابلة للنقل ببساطة إلى جنوب الكرة الأرضية إلا كتطلعات بعيدة، ومن ثم رأى أن الاحتياجات البيولوجية كتناول الطعام هي الأولوية الرئيسة ثم يأتي أي شيء آخر، وهو ما يعني أن ستريتن جعل الاحتياجات الأساسية في مستوى الحقوق الاجتماعية نفسها، وفي غضون سنوات قليلة ربط الأمريكيون الاحتياجات الأساسية بحقوق الإنسان عندما تفوقت المخاوف الأمنية على الدواعي الإنسانية، والمدهش أن المنظمات غير الحكومية الأمريكية مالت إلى الاتجاه المؤيد لتوحيد الحقوق والاحتياجات، ومن ثم فإن المدافعين عن حقوق الإنسان عبروا عن قلقهم بشأن الحقوق الاقتصادية وليس بشأن الاعتقالات وسوء المعاملة، فهم يتحدثون عن الاحتياجات الإنسانية الأساسية، ومن ثم اقترح «ريتشارد فولك | Richard Falk»، وهو محامٍ دولي، أن يكون الحديث عن الاحتياجات الأساسية بوصفها جزءًا من حقوق الإنسان وليست هي نفسها حقوق الإنسان.
الفكرة من كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
قبل عام 2008م، كانت حقوق الإنسان تُعد ضمانة للحياة الكريمة في مختلف أنحاء العالم، تسعى إلى توفير فرص متساوية وتؤكد عدم وجود حواجز تمنع ذلك. ومع ذلك، بدايةً من عام 2008م، ظهرت إحصائيات محبِطة على الصفحات الرئيسة للصحف، تشير إلى تصاعد الفجوة بين الأثرياء والفقراء بشكل متسارع في معظم البلدان. كما أظهرت التقارير أن عددًا قليلًا من رجال الأعمال يسيطرون على ثروة تفوق ثروة نصف سكان العالم، مما يجعل عصر حقوق الإنسان يبدو متعارضًا مع مفهوم العدالة في التوزيع، إذ أصبحت فترة تمكين الأثرياء. وفي سياق متصل تخلى المدافعون عن السوق الحرة عن هدف المساواة المادية، وجعلوا الأولوية لأمور لا تخدم فكرة حقوق الإنسان، مثل إنقاذ الفقراء بدلًا من العمل على تحقيق المساواة المادية، إذًا لنتتبع هذا السياق ونُلق نظرة متعمقة على هذه القضية.
مؤلف كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
صامويل موين: أستاذ القانون والتاريخ في جامعة ييل «Yale University»، ويشغل أيضًا منصب رئيس كلية جريس هوبر «Grace Hopper College»، حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الأوربي الحديث من جامعة كاليفورنيا – بيركلي في عام 2000م، كما حصل على درجة علمية في القانون من جامعة هارفارد في عام 2001. وهو زميل معهد «Quincy Institute for Responsible Statecraft»، ومن مؤلفاته:
اليوتوبيا الأخيرة: تاريخ حقوق الإنسان.
Liberalism against Itself: Cold War Intellectuals and the Making of Our Times
Humane: How the United States Abandoned Peace and Reinvented War
The Right to Have Rights
معلومات عن المترجم:
أمين الأيوبي: مهندس ومترجم لبناني، حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة عام 1989م من جامعة بيروت العربية، وبعد أن زاول مهنة الهندسة لمدة 7 سنوات، اختار أن يعمل في مجال الترجمة. من ترجماته:
طبيب في رئاسة الوزراء: مذكرات الدكتور مهاتير محمد.
العالم من دوننا.
الإصلاح الجذري: الأخلاقيات الإسلامية والتحرر.
الدولة: نظريات وقضايا.
الموضوعية.