الاحتلال الصهيوني
الاحتلال الصهيوني
تعد الصهيونية كما أوضحنا ربيبة الإمبريالية الغربية، فقد نشأت من رحمها وتشرَّبت نهجها، ومارست أنشطتها في قلب العالم العربي، حينما شنَّت غاراتها المتوحشة على الشرق الأوسط مدفوعة بأيديولوجيتها، وقد ساعدها على ذلك القوى الاستعمارية الكبرى؛ بحثًا عن مصالحها الاستراتيجية في خلق توازن للقوى وتحقيق نوع من النفوذ السياسي والربح الاقتصادي، فاستخدمت في ذلك شتى الطرق والوسائل، بدءًا من استخدام الحيل القانونية مرورًا بالضغط والتهديد، ووصولًا إلى حد العنف المباشر واستخدام السلاح والإرهاب العسكري.
من هنا يتضح أن الإمبريالية الصهيونية ظاهرة مركبة تتداخل فيها العوامل النفسية والسياسية ومصالح الدول الكبرى، كل تلك العناصر انطبعت بلا شك على ملامح الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين العربية، فهو احتلال استيطاني توسُّعي يهدف إلى تغيير الطبيعة الديموغرافية للأراضي المحتلة، كما أنه في الوقت نفسه احتلال طفيلي اعتمد في نشأته وبقائه على مساعدة الدول العظمى، فهي شجرة واهية لا جذور لها ولا تقوى على الصمود في وجه الرياح دون التشبُّث بغيرها.
ورغم أن الصهاينة طوائف وأحزاب شتى وبينهم من الاختلافات الشيء الكثير، فإن ثمة ملاحظة مهمة، وهي أن السيكولوجية النفسية للمجتمع الإسرائيلي تمَّت هندستها وفق قدر محدد من الشعور بالتهديد، لتفجير الطاقات وفي نفس الوقت لاستخدامه مسكنًا للاختلافات الجوهرية بين أطياف المجتمع الإسرائيلي، لا سيما مع محاولة زرع الاحتلال في بيئة تلفظه نتيجة الاختلافات الجذرية بينه وبين الدول المحيطة به، فرغم عمليات التطبيع المعاصرة بين الصهاينة والأنظمة الحاكمة لبعض البلدان العربية فإن دولة الاحتلال تعلم يقينًا أنها ملفوظة من الشعوب وأن عملية التطبيع تلك لا تعدو أن تكون مجرد مواءمات سياسية ليس إلا، فليس في السياسة أعداء أو أصدقاء دائمون إنما تبقى فقط المصالح هي الثابت الوحيد الدائم وما عداها متغير.
الفكرة من كتاب الأيديولوجية الصهيونية
“أن تعرف عدوَّك خير لك من أن تظل تُحدث نفسك”!
نجح اليهود بلا شك في شقِّ الصف العربي وزرع أنفسهم بين نسيجه الممتد من المحيط إلى الخليج، وتظل قضية فلسطين القضية المحورية الأولى التي تفرَّع عنها كثير من المشكلات الأخرى المصطنعة، ومع تطوُّر الأحداث بشكل رهيب واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة موحَّدة لإسرائيل إبان عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وكذا عملية التطبيع التي جرت بين عدد من الأنظمة العربية وإسرائيل، يصبح من المهم الآن سبر أغوار تلك الحركة الصهيونية وفهم أبعاد المسألة اليهودية من الجذور، وهذا هو موضوع الكتاب الذي بين أيدينا.
مؤلف كتاب الأيديولوجية الصهيونية
عبد الوهاب محمد المسيري (1938 – 2008): مفكر وعالم اجتماع مصري، التحق بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة الإسكندرية وتخرج عام 1959 وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، سافر إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، وعلى الدكتوراه من جامعة روتجرز نيوجيرسي، وعمل بالتدريس في جامعة عين شمس وعدة جامعات عربية، وكان عضو مجلس الخبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومستشارًا ثقافيًّا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك كان عضو مجلس الأمناء بجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ببليسبرغ، بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
يعد واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيونية، وصدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية، منها: “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية”، و”الجماعات السرية في العالم”، و”العنصرية اليهودية”.