الاتفاق الجديد وعولمة الرعاية

الاتفاق الجديد وعولمة الرعاية
شهدت الولايات المتحدة في الأربعينيات من القرن العشرين اهتمامًا كبيرًا بـ”الاتفاق الجديد” الذي دعا له الرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt» في خطاب حالة الاتحاد عام 1944م، وقد تضمن هذا الاتفاق مجموعة من الحقوق كالحق في وظيفة نافعة، والحق في كسب ما يكفي لتوفير المأكل والملبس والترفيه، وحق كل أسرة في الحصول على منزل لائق، وغيرها من الحقوق. لكن بعد الاقتراب من تحقيق السلام، وانتهاء الحرب العالمية الثانية وعلى مدار خمسين عامًا لم تلق خطبة روزفلت اهتمامًا كبيرًا إلى أن جاء عالم الدستور الكبير «كاس سنشتاين | Cass Sunstein» في عام 2003م، وأعاد الاهتمام بها مرّة أخرى، فربط سنشتاين بين خطبة روزفلت والحقوق الاجتماعية، وصور أيديولوجيا السوق الحرة في صورة إنسانية، وجادل سنشتاين بأن الأمريكيين يمكنهم استعادة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعد الحرب الباردة، واقترح أن يستلهم القضاة الأمريكيون من حركة حقوق الإنسان الدولية لتفسير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية دون التعرض لخطر استجابة عنيفة.

وقد تباهت دولة الرعاية بحمايات اجتماعية متزايدة وفرض قيود على انعدام المساواة في مجتمعها الوطني، لكن تلك الإجراءات اتخذت شكل دولة إمبريالية، لذا اقتضى الأمر استئصال الاستعمار من العالم عقب الحرب العالمية الثانية واستبدال دول جديدة بالإمبراطوريات القديمة لكي تصبح مثُل التوزيع العادل لمتع الحياة معولمة بشكل فعّال. وبالفعل أدت عملية استئصال الاستعمار إلى توفير الظروف لإمكانية حصول شيء من قبيل عولمة رؤى العدالة في التوزيع، والسبب في ذلك يرجع إلى أن إنهاء الاستعمار جلب أيديولوجيا الرعاية إلى أعداد كبيرة من الناس، وأدت حماسة الدول في فترة ما بعد الاستعمار إلى إقامة مساحتها الخاصة بالرعاية وعولمة المساواة في التوزيع إلى الحد الذي لم يكن موجودًا من قبل، والآن صارت الحقوق الرامية إلى حد أدنى كافٍ في التوزيع جزءًا أساسيًّا من القانون الدولي، لكن مع طموح أقل بعدالة عالمية مساواتية.
وفي الدول المستقلة حديثًا أعطيت الأولوية للمساواة المادية، لكن من الناحية السياسية أصر زعماء الدول المستقلة بعد استئصال الاستعمار على عدم إغفال التطوير الوطني الشامل لدولة رعاية ذات قاعدة شعبية كبيرة، وقد أشار إلى ذلك عدد من الزعماء الأفارقة مثل الزعيم المصري المناهض للاستعمار «جمال عبد الناصر» عندما قال: “إن الحرية تزيد على حرية الفكر والتعبير والكتابة، إنها حرية معدةٍ ممتلئة، ومنزل وصحة وتعليم وعمل جيد، والأمن في سن الشيخوخة”، وعَبَّرَ الزعيم الغاني «كوامي نكروما | Kwame Nkrumah» عن المضمون نفسه عندما قال: “هدفي الأول هو استئصال الفقر والجهل والمرض من غانا، سنقيس التقدم من خلال صحة شعبنا وعدد الأطفال في المدارس وجودة تعليمهم، وتوافر المياه والكهرباء…”.
الفكرة من كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
قبل عام 2008م، كانت حقوق الإنسان تُعد ضمانة للحياة الكريمة في مختلف أنحاء العالم، تسعى إلى توفير فرص متساوية وتؤكد عدم وجود حواجز تمنع ذلك. ومع ذلك، بدايةً من عام 2008م، ظهرت إحصائيات محبِطة على الصفحات الرئيسة للصحف، تشير إلى تصاعد الفجوة بين الأثرياء والفقراء بشكل متسارع في معظم البلدان. كما أظهرت التقارير أن عددًا قليلًا من رجال الأعمال يسيطرون على ثروة تفوق ثروة نصف سكان العالم، مما يجعل عصر حقوق الإنسان يبدو متعارضًا مع مفهوم العدالة في التوزيع، إذ أصبحت فترة تمكين الأثرياء. وفي سياق متصل تخلى المدافعون عن السوق الحرة عن هدف المساواة المادية، وجعلوا الأولوية لأمور لا تخدم فكرة حقوق الإنسان، مثل إنقاذ الفقراء بدلًا من العمل على تحقيق المساواة المادية، إذًا لنتتبع هذا السياق ونُلق نظرة متعمقة على هذه القضية.
مؤلف كتاب ليست كافية: حقوق الإنسان في عالم غير عادل
صامويل موين: أستاذ القانون والتاريخ في جامعة ييل «Yale University»، ويشغل أيضًا منصب رئيس كلية جريس هوبر «Grace Hopper College»، حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الأوربي الحديث من جامعة كاليفورنيا – بيركلي في عام 2000م، كما حصل على درجة علمية في القانون من جامعة هارفارد في عام 2001. وهو زميل معهد «Quincy Institute for Responsible Statecraft»، ومن مؤلفاته:
اليوتوبيا الأخيرة: تاريخ حقوق الإنسان.
Liberalism against Itself: Cold War Intellectuals and the Making of Our Times
Humane: How the United States Abandoned Peace and Reinvented War
The Right to Have Rights
معلومات عن المترجم:
أمين الأيوبي: مهندس ومترجم لبناني، حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة عام 1989م من جامعة بيروت العربية، وبعد أن زاول مهنة الهندسة لمدة 7 سنوات، اختار أن يعمل في مجال الترجمة. من ترجماته:
طبيب في رئاسة الوزراء: مذكرات الدكتور مهاتير محمد.
العالم من دوننا.
الإصلاح الجذري: الأخلاقيات الإسلامية والتحرر.
الدولة: نظريات وقضايا.
الموضوعية.