إعادة اختراع العالم
إعادة اختراع العالم
يضرب الكاتب مثلًا بالموسوعة الفرنسية (الانسيكلوبيديا) التي كانت من أعظم إنجازات عصر التنوير الفرنسي على إعادة صياغة التاريخ واختراع العالم من أجل رسم صورة محددة ولأغراض محددة، الموسوعة التي يقول عنها مؤلفوها: “سيبيِّن الزمن الفارق بين ما كنا نفكر فيه وما قلناه”، أي ما كتبوه في الموسوعة!
وكان الهدف من هذه الموسوعة نقد الكنيسة والدين المسيحي، ولكن خوفًا من السلطة الكنسيَّة في ذلك الوقت؛ فإنهم وجهوا نقدهم كله للنبي محمد وإلى الإسلام، إذ لن يعبأ أحد بهذا الهجوم على الإسلام في نوع من المجازية التي لم يدفع ثمنها إلا المسلمون، فهم لم يتحدثوا عن الإسلام بموضوعية، فحديثهم كان متمركزًا حول هدف واحد خفيٍّ؛ فتلاعبوا بالمعطيات واخترعوا صورة للشرق تتلاءم مع أغراضهم.
فمثلًا يتحدث الموسوعيون عن عداء الإسلام للعلم وتناقضه مع العقل، مشيرين بذلك إلى إعادة النظر في موقف الأديان والكنيسة خصوصًا من العلم، وهم يشيدون في الوقت نفسه بشريعة التوحيد في الإسلام متظاهرين بالموضوعية ومستشهدين بقول الله تعالى “لم يلد ولم يولد” في محاولة لزعزعة فكرة الابن والأب في المسيحية، وهم يميزون بين العرب والمسلمين، مدعين أن العرب لما انفتحوا على الثقافات الأخرى اليونانية والفارسية ولم يكتفوا بالقرآن وابتعدوا عن الإسلام بشكل ما أو بآخر فهم قد حققوا تقدما علميًّا كبيرًا، غير أنهم أغفلوا أن كثيرًا ممن حقق هذه الإنجازات كانوا مسلمين غير عرب في الأصل في مغالطة لا تليق بموسوعة علمية بهذا الحجم.
ولقد اختفت الأسباب الداعية لهذا الموقف، وأصبح الغربيون قادرين على نقد الكنيسة وعلى الجهر بالإلحاد مباشرة دون خوف، لكنهم خلفوا هذا العمل الموسوعي للأجيال القادمة ولم يشغل أحد نفسه بإعادة مراجعة ما ورد فيه على أي حال.
الفكرة من كتاب تهويد المعرفة
في مطلع القرن الثامن عشر بدأت صورة اليهودي في الأدب والواقع الإنجليزي تتغير تمامًا عن صورة اليهودي الجشع والمستغل إلى اليهودي الإنسان المعين والطيب الذي يمكن أن يساهم في حل المشكلات الاقتصادية بثروته!
يبين لنا ممدوح عدوان من خلال دراسته كيف عمل اليهود على إعادة صياغة التاريخ بغرض طمس تاريخ فلسطين وتصويرها أرضًا خالية إلا من اليهود على مر العصور، وقد قدموا أطروحاتهم في المؤسسات الأكاديمية لتكون ضاغطة على المجتمع العلمي، في جزء من مشروع يهودي يعمل على العقل الأوروبي، ليكون بهذا استعمارهم للعقل والفكر لا للأرض وحسب، متحدثًا أيضًا عن نفوذ اليهود على الديانة المسيحية واعتبارها امتدادًا لليهودية، وسعيهم للتغلب على الكراهية تجاههم بقتلهم المسيح، حتى إنهم استصدروا فتوى بتبرئتهم من دم المسيح من البابا نفسه.
مؤلف كتاب تهويد المعرفة
ممدوح عدوان (1941- 2004): كاتب وشاعر ومسرحي سوري.
تخرج في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب جامعة دمشق، وعمل في الصحافة وفي التدريس بالمعهد العالي للفنون، وله العديد من المجموعات الشعرية والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والكتب، إضافةً إلى العديد من الترجمات.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
حيونة الإنسان.
هواجس الشعر.
هملت يستيقظ متأخرًا.
المتنبي في ضوء الدراما.
محاكمة الرجل الذي لم يحارب.