أمة العرب قبل الإسلام
أمة العرب قبل الإسلام
يؤكد طه حسين على أن الأمة العربية قبل الإسلام لم تعش عزلة تامةً عن العالم، بل إن زَعْم ذلك يُعد سخفًا من السخف ليس عليه دليل، ولكن الحاصل في تلك الجزيرة العربية أن أهل الشمال وقلب الجزيرة لم يحكمهما سلطان مملكة أو أمة أخرى متحضرة فعاشوا لأنفسهم بالكيفية التي أرادوها مع وصول شيء من الحضارات الأخرى إليهم، أما الجنوب فكانت تسيطر عليه الحبشة ثم استعان أهل الجنوب عليهم بالفرس فأقاموا مقام الحبشة! ولم يكن الجنوب متحضرًا بالمعنى الذي يُفهم من الحضارة وإنما غاية ما وصلوا إليه أن حياتهم كانت أيسر وأفضل من غيرهم في تلك الجزيرة وكانوا أرقَّ طبعًا نظرًا إلى القدر الذي بلغهم من اليهودية والمسيحية وإن اختلط ذلك القدر بجاهلية معتنقيها وتأصُّل البداوة فيهم.
ولقد تأصَّلت الوثنية في أهل الجزيرة العربية لا إيمانًا بها عن قلب وإنما وراثةً عن الآباء والأجداد، والمعروف أنهم لم ينكروا وجود الخالق سبحانه، وقد أقرَّ القرآن الكريم تلك الحقيقة إذ قال الله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾، وكانت الأصنام بالنسبة إليهم هي الوسائط بينهم وبين الله فعبدوها لتشفع لهم لا لاعتقادهم أنها تخلق كخلق الله، ولم تكن وثنية أهل مكة بالتحديد في نظر الكاتب وثنيةً صادقة، بل كانت تجارة بالدين حيث كانوا يستغلون وفود العرب كافة إلى مكة للحج والتجارة بينما هم على اتصال بالحضارات الأخرى ويعرفون حق المعرفة سخف وثنيتهم، وما كان لهم إعلان ذلك لتسلُّط المال على قلوبهم وفي نفوسهم فنرى هنا تشابه مكة مع المدن الفينيقية التي لم ينشغل أهلها بشيء سوى بالمال والتجارة.
وبالحديث عن الطائف عاشت ثقيف حياةً أشبه بتلك التي عاشتها قريش في مكة، وأما يثرب فلم تخلص لقبيلة واحدة كما خلصت مكة لقريش والطائف لثقيف، بل سكنتها قبيلتا الأوس والخزرج وترجع أصولهما إلى اليمن وشاركهما فيها اليهود واختلطوا بهم ولكن بقوا على وثنيتهم وانقطعت صلة اليهودية والمسيحية بمنابع ورجال الدين خارج الجزيرة فخفت ذيوعهما.
الفكرة من كتاب مرآة الإسلام
يمر عالمنا العربي المعاصر بمرحلة ركود طويل حاول معها رواد الفكر وأعلام النهضة أن يخرجوا بأمتهم من ذلك الركود مرارًا، واختلفت المسالك والمناهج في ذلك واضطربت الأقدام وتعثَّرت الخطوات، ومن بين أولئك الذين حاولوا استنهاض الهمم للحاق بركب الأمم الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، وكانت كتاباته تثير جدلًا واسعًا حتى شهدت حياته حدثًا فريدًا ومختلفًا غيَّر من بوصلته ووجهته، فما ذلك الحدث؟ وما الذي دعا إليه طه حسين؟
يجد القارئ في كتاب “مرآة الإسلام” عرضًا مكثفًا للسيرة النبوية ولأصول الدين ممزوجًا بعبارات اعتبرها البعض مراجعة فكرية لطه حسين وإيابًا روحيًّا له.
مؤلف كتاب مرآة الإسلام
الدكتور طه حسين: ولد بمحافظة المنيا بصعيد مصر سنة 1889م، وفقد بصره في سن مبكرة، وتتلمذ على يد شيوخ الأزهر الشريف، ثم التحق بالجامعة المصرية الأهلية سنة 1908م، وكان سفره إلى فرنسا سنة 1914م، ثم رجع إلى مصر سنة 1919م، وتُوفِّي أول يوم عيد الفطر، الثامن والعشرين من أكتوبر سنة 1973م، ومن مؤلفاته: “الأيام”، و”التوجيه الأدبي”، و”مستقبل الثقافة في مصر”.