لا تقاطعوا التعداد السُّكاني
لا تقاطعوا التعداد السُّكاني
انطلقت في ألمانيا عام 1987م أكبر حركة احتجاجية في تاريخ الجمهورية الاتحادية، رافضة إقامة التعداد السُّكاني الذي كان من المفترض أن يبدأ يوم 25 مايو من هذا العام، وتعددت سُبل المقاومة التي اتبعها الشعب، منها: كتابة مجهولين لعبارة “قاطعوا التعداد السُّكاني” على أرض ملعب الفيستفالي الذي كانت ستقام عليه إحدى جولات الدوري الألماني البوندسليجا | Bundesliga، ولصعوبة إزالتها بين يوم وليلة المباراة، أضاف المنظمون كلمة “لا” إلى العبارة كنوع من الدعاية لعدم المقاطعة، وتكفل آخرون بعمل كتب تنشر الوعي بخطر هذا التعداد، منها كتاب “ما عساك تفعل ضد التعداد الدقيق للسكان وإحصاء السكان؟” الذي بيع منه 250 ألف نسخة، ولكن لماذا كُل هذا الخوف رغم أننا لو اطلعنا على الاستبيان لوجدنا أنه يحتوي على أسئلة نُدلي بها اليوم عند التسجيل في أي موقع؟
يرجع هذا الأمر إلى عدة عوامل، أهمها أن خلال الثلاثين عامًا الماضية كان الناس يرون أن النمو المُتفاقم للبيانات يُشكل نوعًا من الرقابة، وهذا يخالف قانون “تقرير المصير المُعلوماتي”، كما أن الأسئلة التافهة في الاستبيان يمكن الربط بينها والاستفادة منها بشكل ما، خصوصًا مع ظهور أجهزة الكمبيوتر التي أُثبتت فاعليتها في معالجة البيانات في مراكز الشرطة، وسهلت من عملية البحث عن المشبته بهم، السبب الآخر أن خلال الفترة ما بين 1983م و1987م ارتبط في أذهان الشعب أن الاستبيان الذي تُقيمه الدولة مشابه لما كانت تفعله النازية، بالإضافة إلى ظهور تخوفات من تحقق تصور “أوريل” في رواية “1984” ونشأة عالم المراقبة الشمولية والإرهاب الفكري، ولعل أهم سبب أظهر هذا التخوف من تسجيل البيانات في ذلك الوقت هو ارتباط كلمتي “الشبكة” و”التشابك” في الأذهان، بمعنى التهديد الناجم عن سلطة الدولة
وقد أطلقت هوليوود عام 1995م فيلم “الشبكة” للممثلة “ساندرا بولوك” التي أدت دور “أنجيلا بينيت”، الفتاة التي تعمل في شركة برمجيات وكانت في عزلة عن الآخرين، لأنها تجري كل تعاملاتها من خلال الإنترنت، كان الغرض من الفيلم عرض خطر أن يتفاعل الشخص مع الآخرين عن طريق بيانات الكمبيوتر وحدها، وأنه بذلك يخاطر بكيانه ووجوده، تغير كل هذا التخوف من تسجيل البيانات وربط “الشبكة” بالتهديد مع ظهور مواقع مثل match.com وموقع “six degrees”، وانتشار مقولات أن الثقافة الرقمية لا تعمل على وجود أشخاص منعزلين مثل “أنجيلا بينيت”، بل تعمل على وجود مواطنين لديهم التزام تجاه مجتمعاتهم من مواطني الإنترنت!
الفكرة من كتاب عصر نهاية الخصوصية: انكشاف الذات في الثقافة الرقمية
نعيش اليوم في عصر مليء بالاختراعات التي لم نُفكر يومًا “من أين أتت؟ وماذا كان الهدف من وجودها؟ وهل حقًّا علينا التخوف من التقدم السريع للتكنولوجيا الذي يؤدي إلى وجود سلطة “الأخ الكبير”، التي ذكرها الكاتب جورج أورويل في روايته “1984”، أم علينا أن نستمع إلى الدعوة القائلة إن سلطة المراقبة انتهت بنشأة الثقافة الرقمية؟”.
هذه الأسئلة والمخاوف نجدها في كتابنا، إذ يقدم إلينا الكاتب الحقيقة حول التقدم التكنولوجي السريع، وحقيقة السلطة الرقابية التي يتعرض لها الجميع.
مؤلف كتاب عصر نهاية الخصوصية: انكشاف الذات في الثقافة الرقمية
أندرياس برنارد: أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة لوفانا في لونبورج بألمانيا، ورئيس مركزها للثقافات الرقمية، درس النقد الأدبي والدراسات الثقافية في ميونيخ، وكان مساعد باحث في جامعة باوهاوس فايمار وفي جامعة كونستانس، مهتم بالتأليف في تاريخ الاختراعات، ومن كُتبه:
“Lifted: A Cultural History of the Elevator”
“Theory of the Hashtag”
معلومات عن المترجم:
سمر منير: مترجمة لها ترجمات عديدة في مختلف المجالات، منها:
كتاب “الشاي: ثقافات – طقوس – حكايات” لكريستوف بيترز.
رواية “ف. و. م. و. Fear Of Missing Out” لألموت تينا شميدت.