كتاب حجج فاسدة تجعلنا نبدو أغبياء

Book-Cover

كتاب حجج فاسدة تجعلنا نبدو أغبياء (المؤلف: جوليان باجيني)

حجج فاسدة:

تحامل التأكيد

أنا ولدت في السابع والعشرين من يناير، البرج الخاص بي هو الدلو، والآن سأقرأ بعض الصفات الخاصة به.

علي سبيل المثال: ذكي وطيب ومحب للخير وودود.

غريب أمر هذه الأبراج؛ فصفات هذا البرج تنطبق عليَّ تمامًا!

ما رأيك في الأبراج؟

غالبًا إجابتك ستكون:

  • إما أنك مقتنع بها وترى أنها حقيقة.
  • أو أنك غير مقتنع وترى أنها مجرد دجل وخرافات.
  • أو أنك لا تدري وترى أنها مثيرة نوعًا ما.

لماذا يوجد لدينا ثلاثة آراء أمام ظاهرة يمكن التأكد من حقيقتها واختبارها بشكل مباشر؟ فالأبراج تعطي تخمينات عن المستقبل، وبالتالي يمكننا قياس هذه التخمينات واختبارها هل ستحدث أم لا؟

المفترض أن يكون للناس رأيٌ واحد بشأنها إما أنها صدق أو كذب. السبب في ذلك يرجع إلى الخلل الأول وهو (تحامـل التأكيد) وهو ببساطة، مثلًا أننا لو لدينا أحداث تنبأت بها الأبراج؛ فالمقتنع بالأبراج سيركز على التخمينات التي تحققت، وغير المقتنع بها سيركز على التخمينات التي لم تتحقق.

مثال:

مقطع فيديو انتشر لطفل ووالدته مؤخرًا كانا على التلفاز . والدة الطفل كانت تتحدث عن أن صغيرها كم هو عبقري ومخترع على الرغم من أن الطفل كان يبدو عليه أنه طفل عادي مثل بقية الأطفال. طالما أنه هكذا فلماذا تتحدث أمه عنه بطريقة منافية للواقع؟

لأنها ببساطة قد وقعت في فخ تحامل التأكيد، حيث اختارت أن ترى الفرضيات التي تساند فكرتها عن طفلها من حيث إنه مميز وموهوب وتغافلت عن عشرات الأدلة التي تثبت أنه مجرد طفل عادي.

التبرير

تحامل التأكيد موجود عند كل الناس بصورة ما لذلك كن حذرًا عندما تقدم على تبني أفكار جديدة أو تبرر لأفكار قديمة؛ فالمشكلة ليست في المعرفة نفسها وإنما في هل أنك تقيس وتختبر ذلك بطريقة مناسبة أم أنك تميل للأفكار التي في صالحك بحيث توصل لقناعة مرضية في النهاية؟

تخمين الدافع

عندما ترى شخصًا ما مبتسمًا فيمكنك تخمين حالته المزاجية بسهولة؛ فالناس عمومًا لطالما أحبوا قراءة ملامح بعضهم بعضًا حتى يتمكنوا من تخمين الحالة المزاجية للآخرين، وبالإضافة إلى ذلك فالبشر يحبون قراءة العقول.

قراءة العقول

بالتأكيد قراءة الملامح سهلة فبمجرد النظر إلى وجهك يمكنني معرفة ما إذا كنت سعيدًا أم حزينًا، وعلى العكس من ذلك العقل فهو مختبئ داخل الرأس، ولكن هل هذا يمنعني من قراءة عقلك؟

الإجابة: لا.

سأقرأ عقلك أيضًا وسأحاول أن أخمن ما دوافعك (تخمــين الدافـــع).

مثال:

  • شخص معين يحاول إنكار صفة معينة إذًا فهو بكل تأكيد يمتلكها (الإنكار = التأكيد).
  • شخص آخر يقوم دائمًا برفض فكرة معينة إذًا فهو يخاف منها (كره = خوف).
  • شخص آخر متغطرس ويحب التباهي والتفاخر بأشياء مادية كسيارة فخمة لديه إذًا فهو شخص يشعر بالنقص ولا يشعر بالأمان.

هذا كله مجرد هراء، من الممكن أن تكون هذه القوانين صحيحة في حالات محددة ولكن تعميمها مخل جدًّا.

شاهد مثلًا شخصين قد اختلفا حول قضية ما على مواقع التواصل الاجتماعي سوف ترى أن نوعية هذه التعميمات فمثلًا أنت تهاجمني، إذًا أنت تكره الفكرة وهذا دليل على خوفك.

أو أنت تجاهلتني إذًا أنت ليس لديك رد، وهذا دليل على انعدام الأمان في المنطق الخاص بك. كل شخص يلعب دور المحلل النفسي، ويستخدم هذه التعميمات لكي يساند قضيته.

التكهن مغوي

التكهن بالدوافع النفسية شيء مثير جدًّا للإغواء لذلك أغلب الناس تقوم به. عندما تجد نفسك تخمن دوافع الآخرين تذكر هذه المعلومة جيدًا (تحليل الناس نفسيًّا من خلال شخص متخصص يتطلب وقتًا طويلًا قد يصل لعشرات الساعات، وحتى عندما يصل إلى استنتاجه يكون في حالة شك وليس من خلال مجرد موقف سطحي واحد يمكن إصدار أحكام نهائية صحيحة على الآخرين).

محاذير خفية

أتذكر عندما كنت في المدرسة انتشر خبر في الصحف عن دراسة ما (أن تغيير المناخ سوف يتسبب في ذوبان أجزاء كبيرة من الجليد بحلول عام 2010 أو 2012 تقريبًا والجليد المذاب سيرفع مستوى البحر، وبالتالي يتسبب في غرق مدن ساحلية كثيرة) وعندما جاء تاريخ هذا الخبر لم يحدث شيء!

 لماذا؟

هل الخبر كاذب؟ الإجابة لا. لكن الدراسة كانت في سياقها مجرد السيناريو المتطرف الذي يمكن أن يحدث، فالدراسة كانت فرصة حدوثها ضعيفة وتحتاج إلى ظروف معينة حتى تتحقق.

 الطبيعي هنا أن الصحف عندما تنشر الخبر لا بدَّ أن تبين الجوانب الخفية للحقيقة بحيث تعرض الخبر كاملًا أو على الأقل تستخدم بعض الكلمات المشروطة قبل هذه النوعية من الأخبار مثل ممكن، احتمال. لكنهم لم يفعلوا بذلك وفضلوا التجارة بالتشويق والإثارة على حساب المعرفة، وهذا يتكرر حولنا كثيرًا بأشكال مختلفة.

التجارة بالتشويق

فأغلب الادعاءات المدهشة مثلًا على موقع اليوتيوب أو في الجرائد أو البرامج أو حتى الادعاءات العادية التي يتداولها البعض عندما نتتبعها سوف نجد أنها ليست مدهشة بالشكل الذي تم إخبارنا به.

فالتجربة التي تمت في ظروف معينة لن يتم ذكر تلك الظروف والإحصاءات التي تمت على شريحة ضئيلة لن يتم ذكر عددها.(محاذيــــر خفيـــة).

وفي الحقيقة عليك تجنب أي ادعاء يبدو مدهشًا أو مثيرًا لأنه على الأغلب إذ لم يكن كذبًا خالصًا؛ فهناك احتمال لوجود خداع في صياغة الكلام. على الأقل قبل أن تنفعل أو تأخذ رد فعل بشأن أي خبر تحقق جيدًا من طريقة عرض الخبر هل هناك ما يثير الدهشة بشأنه أم لا؟

التفسير والتبرير

بعض الناس يتعجبون من محاولات المساواة بين الآخرين، فالبشر دائمًا أسياد وعبيد ومن المفترض ألا يتدخل المجتمع ليساوي بينهم. هذا كلام علمي، طالما الرجال من المريخ والنساء من الزهرة لا تحاول تغيير طرق تفكيرهم أو معيشتهم.

الخلط

لو أن علم النفس التطوري مثلًا يعزز عدم المساواة بين الأجناس المختلفة هل ذلك يكون مبررًا لعدم المساواة بينهم؟ مثلًا لو أن البشر بطبيعتهم عنصريون وأنانيون هل هذا ادعاء طبيعي يجعله شخصًا مقبولًا اجتماعيًّا؟

هناك خلط كبير بين التفسير والتبرير؛ فالعلم يفسر ولكن التفسير وحده لا يعني التبرير. 

على سبيل المثال شخص ما قتل أحدهم وقد علمت مكان سلاح الجريمة والدافع والفرصة الخاصة بالقاتل هل التفسير هنا يبرر الجريمة؟ بالطبع لا؛ فالجريمة تظل جريمة فالعلم يفسر حدوث الشيء ولكن لا يبرر.

ثنائيات زائفة

هناك طفل صغير يريد لعبة وكان يرى إما أنه سيمتلكها، وبالتالي سيكون سعيدًا وإما أنه لن يمتلكها وبالتالي يظل حزينًا وتعيسًا. في النهاية لم يوافق والده على قرار شراء اللعبة وذلك جعله يشعر أنه خسر كل شيء. لكن بعد مرور فترة لم يكن بهذا الحزن المتوقع.

والخلل هنا يرجع إلى تحليل الطفل للخيارات المتاحة، نحن دائمًا ما نقوم بهذا الخطأ، حيث نختزل الواقع في خيارين اثنين بحيث نخلق (ثنائيـــات زائـــــفة) ونتعمد ألا نرى غيرهما وهذا قد يحدث أيضًا مع بعض المبادئ والحكم.

مثال:

  • إما أن يتعلم الرجال أن يعيشوا مثل الإخوة أو أن يموتوا مثل الحيوانات.
  • الحياة إما مغامرة عظيمة أو لا شيء.

فهل هذه كل الخيارات الممكنة؟ أم أنها مجرد ثنائيات زائفة، ومن الممكن وجود احتمالات أخرى ممكنة مناسبة؟

كثيرًا ما يتم استخدام هذه الطريقة للسيطرة علينا، فمثلًا إذا كان لدي سلطة ورغبة في التجسس عليك سوف أصيغ لك الموضوع في صورة ثنائية بهذا الشكل "أنا أتجسس عليك وأنت من الطبيعي ألا تعترض" وهذا

  • لأنك لا تقوم بأفعال خاطئة وبالتالي فلا يوجد لديك ما تريد إخفاءه عني.
  • أو أنك مذنب لذلك من حقي أن أقوم بتفتيشك كي أكون على علم بما تفعله.

لقد قمت بخداعك، قدمت لك الواقع في شكل خيارين اثنين فقط كأنهما كل الخيارات المتاحة على الرغم من وجود خيارات أخرى كثيرة أبسطها على سبيل المثال أنك لست مذنبًا، ولكن من حقك أن تحافظ على خصوصياتك.

إعادة التعريف العالية

منذ فترة قام شاب بالتحرش بفتاة وعلى الرغم من أن أصدقاءه لهم نشاطات كثيرة في مجال مكافحة التحرش فإنهم قاموا بالدفاع عنه بشكل قوي، حيث قالوا إنه نوعًا ما مذنب ولكنه ليس متحرشًا، حيث لم يقم بذلك إلا مرة واحدة. وهنا يوجد سؤال مهم فالفرد يحتاج إلى كم من المرات حتى يتم وصفه بصفة معينة؟

مثلًا تحتاج إلى كم عدد من المرات لأن توصف كـ"شخص قاتل"؟ والإجابة هي أن تقتل مرة واحدة، وتحتاج إلى كم عدد من المرات لأن توصف بـ"فائز كأس العالم"؟ الإجابة أيضًا أن تفز بها مرة واحدة. 

التلاعب البلاغي

نحن خصوصًا مع الأحداث السلبية نلجأ إلى خدعة بلاغية كي نزيف بها الحقيقة وهي (إعادة التعريــــف العالـــية) مثلًا أنا شخص محتال وأنت تواجهني بهذه الحقيقة حينها سأقول لك إنني لست محتالًا؛ فالمحتال هو الشخص الذي يخدع الآخرين ويسرق أموالهم أكثر من مرة. ولو أنا قمت بذلك بالفعل أكثر من مرة، سأقول إن المحتال هو من في نيته النصب لكنني لم يكن في نيتي ذلك فالضحية هو من أتى إلي وأعطاني أمواله من تلقاء نفسه.

أنا إذ لم أكن قادرًا على الهروب من أخطائي وأفعالي المشينة سوف أهرب من اتهامك بأن أعيد تعريف الصفة السيئة بحيث لا تنطبق عليَّ وهذا ما نفعله أحيانًا أمام ضمائرنا.