كتاب عمل أقل حياة أكثر

Book-Cover

كتاب عمل أقل حياة أكثر (المؤلف: آري ميسل)

في طريقي اليوم قابلت عجوزًا تحمل الكثير من الأشياء؛ فقررت مساعدتها. وعند وصولنا لمنزلها وجدت شيئًا غريبًا! 

في الحقيقة لا أعلم كيف استطاعت العيش في مكان كهذا، لأنه أشبه بالمخزن من البيت! لم أستطع الدخول من الباب بالرغم من أن وزني لا يتجاوز السبعين كيلو جرامًا، واحتجت أن أدخل بشكل جانبي لكي أمرّ عبر المكان الضيق من كثرة الأشياء المكدسة من صناديق ورق مقوى وعلب وزجاجات فارغة، وأشياء من هذا القبيل.

وعندما لاحظت الدهشة على وجهي بدأت تشرح لي السبب، موضّحة أنها تحب التوفير ولا ترمي أي شيء، لماذا ترمي شيئًا وهناك احتمالية بأن تحتاجه في المستقبل لأي غرض كان؟

كانت معتزة بذكائها وحسن تدبيرها، لكن ما هي فيه الآن لا يوجد له وصف غير حالة من الفوضى! ولأن هذه الحالة مادية ملموسة؛ فهي مناسبة لأن نستخدمها في شرح حالات أخرى كثيرة نمرّ بها وتكون مستترة.

لقد مررت بحالة الفوضى تلك سابقًا في عملي، وربما أنت أيضًا مررت بها في علاقاتك، وشخص آخر يمكن أن يكون قد مرّ بها في نشاطه الإلكتروني.

الفوضى

الفوضى بصورة عامة تنتج من اكتناز غير حكيم، لكن من يقوم به لا يرى أنه غير حكيم؛ لأنه معتقد ومتأكد بأن له هدفًا.

السيدة هذه مثلًا تضحي بنصف مساحة منزلها إضافة لأن كل تلك الأغراض تحتاج إلى تنظيف بشكل دوري، وذلك فقط في سبيل أنها ربما بعد سنة ستحتاج إلى برطمان السكر الفارغ بدلًا من برطمان كانت تضع فيه السكر وانكسر. سخيف أليس كذلك! سخيف لأنني أقوله بهذا الشكل، لكن عن نفسي لم أكن أراه سخيفًا عندما كنت أضحي بحياتي مقابل العمل.

الكثير من الناس لديهم جوانب فوضوية بحياتهم. فوضى في العمل وفوضى في الممتلكات وفوضى في سلوكهم على الإنترنت، وفوضى في علاقاتهم.

الفوضى تلك تجعل حياتهم أصعب، لكنهم بدل أن يترجموا الصعوبة تلك على أنها وضع يستدعي الحل، يرونها بأنها الثمن.

ثمن لهدف ما يرونه عظيمًا، وفي النهاية تكون التكلفة المدفوعة أكبر بكثير من هذا العائد العظيم الذي هو عظيم فقط في مخيلاتهم. هذا التبرير الذي نستخدمه وتستخدمه تلك السيدة ليس إلا حيلة دفاعية نستخدمها كي نغطي مشكلتنا الحقيقية التي تعدُّ سببًا للفوضى.

المشكلة تتكون من ثلاثة أجزاء:

– الخوف

– الكسل

– النسيان

– أولًا الخوف: نحن نخاف من الخسارة. نتعلق بالأشياء ونخاف أن نبتعد عنها، لا نحب الانفصال لأنه مؤلم. أن تترك شيئًا من طوع نفسك ذلك شيء صعب ويحتاج إلى شجاعة.

– ثانيًا الكسل: بفرض أنني أخذت قرارًا بشأن حاجة معينة، وأفكر بيني وبين نفسي هل أطردها أم أبقيها؟؟ القرار صعب؛ فأتقاعس أن أخذه ويبقى الوضع على ما هو عليه.

– ثالثًا النسيان: دائمًا أنسى أن مساحتي محدودة، وحياتي محدودة، أنسى ولذلك أتساهل وأسمح لكل أمر أن يمر ويدخل ويزاحم.

مبدأ التصفية

إذا أردتُ حياة أكثر اتزانًا ينبغي عليَّ أن أحل مشكلة الفوضى.

لدينا أربع مصاف أو فلاتر يجب على كل شخص أن يحتفظ بها.

الحدود في العمل

مصفاة لفوضى العمل. دع عملك في مكان العمل، لا تأخذه للمنزل. 

مثلًا لو كنت تعمل من الساعة الثامنة حتى الثانية بعد الظهر، لا ترد على البريد أو المكالمات المتعلقة به إلا في المواعيد تلك؛ فإن خرجت من العمل معناه أن العمل انتهى.

إلا أن وضع الحدود تلك صعب قليلًا، وخصوصًا لو كنت تعمل كموظف حر، أو أنك تستطيع القيام بعملك من أي مكان، لأنك عندها لا تحارب ضد أسباب الفوضى الثلاثة فقط بل أيضًا ضد إحساسك بالذنب. 

حاول ألا تقنع نفسك بسبب كأن العمل الكثير معناه أنك مجتهد ومثابر. الشخص الناجح هو الذي يستطيع وضع هذه الحدود والالتزام بها.

لأنه يعلم أنه إذا تجاوز تلك الحدود سيكسب مكسبًا صغيرًا، لكنه لو التزم بها سيكون العائد على حياته أكبر.

فوضى الممتلكات

أيضًا نحتاج أن نصفي الفوضى المادية من حياتنا. انظر حولك في المكان الذي أنت فيه، ربما ستجد مجلات قديمة من التسعينيات، ثيابًا لم ترتدِها منذ ثلاث سنوات، ستجد أشياء مكدسة لا تستخدمها لكنك تحتفظ بها، كسلًا. أنت تعلم أنك لا تستخدمها لكنك متقاعس بأن تأخذ قرارًا بشأنها، وهذا سبب لك ازدحامًا وأثر على المكان الذي تعيش فيه.

إذًا تخلص من هذه الأكوام، أي شيء لم تستخدمه لمدة سنتين مثلًا على الأغلب بأنك لن تستخدمه أبدًا.

راجع ما تملكه وقسمه إلى ثلاثة أجزاء:

  • الحاجيات الأساسية والضرورية: التي نستخدمها فعليًّا ونحتاجها فعليًّا، وهذا الجزء احتفظ به.
  • منتجات لا نستخدمها لكنها مفيدة: وتلك المنتجات أعطها لشخص يمكن أن يستفيد منها.
  • المنتجات غير المفيدة وغير المستخدمة: وهذه الأشياء يجب عليك رميها والتخلص منها.

قلل أيضًا من مشترياتك، لا تشترِ غير ما هو ضروري جدًّا، ليس من الضروري أن تشتري الآيباد الخامس طالما لديك الرابع الذي يفي بالغرض.

كلما احتفظت في مساحتك بالأشياء الضرورية قللت الهدر الذي يحصل لمجهودك ووقتك، وقللت التوتر، لأنك تقلل من الأشياء التي تقلق بشأنها.

لا تنظر إلى ذلك على أنه تبذير، التخلص من ساعتك القديمة التي لا ترتديها ليس تبذيرًا، التبذير الحقيقي هو الاحتفاظ بها، بحيث تأخذ مساحة من غرفتك أو حياتك وأنت لا تستخدمها، ولن تستخدمها في حياتك مجددًا بنسبة ٩٩٪؜.

العالم الرقمي

بالمناسبة فوضى الممتلكات ليست فقط بالممتلكات الملموسة، تلك التطبيقات على هاتفك تعدُّ أيضًا ممتلكات، ونحتاج إلى مصفاة تصفيها مثلما كان الحال مع الممتلكات المادية.

في هاتفك ستجد أشخاصًا مزعجين بالنسبة لك، أنت تجدهم مزيّفين سيئين أو كاذبين لأي سبب كان، لكنك قررت بكامل إرادتك متابعتهم ومنحتهم مساحة وحيّزًا من وقتك ويومك، غريب صح؟ 

هناك مبررات أعلم ذلك، كل فوضى لها مبررات كما قلنا.

أيضًا هناك أشخاص تتابعهم ولكنك لم تتطلع على أي شيء يخصهم مطلقًا، تركتهم موجودين، هم لن يخسروا شيئًا بالطبع وقائمة المحفوظات على المتصفح لديك فيها ألف رابط.

FOMO

أنت تفعل ذلك لأنك متأثر بالفومو FOMO، الخوف الذي يحصل ونحن غير متابعين، هذا التأثير الإنترنت كبّره فينا، هو الذي يجعلك تتابع أشخاصًا مشهورين يمكن ألا يعنوا شيئًا لك، نتابعهم للخوف من فوات شيء لن يحصل أو سيحصل بعد خمس سنوات مثلًا بنفس منطق العجوز المسكينة صاحبة برطمان السكر.

رتب الفوضى الرقمية

تخلص من كل الفوضى الرقمية تلك، وأعد ترتيب الأمور التي تتابعها، الغ متابعة المزعج بالنسبة لك، تخلص من الذين لا تهتم لأمرهم ولا تتفاعل معهم من سنة كاملة مثلًا. 

عندما تقلل الفوضى الرقمية من حولك ستشعر بمزاج أفضل، ولو استطعت تقليل منشوراتك على الشبكات الاجتماعية سيكون ذلك أفضل، يجب ألا تكتب.

تغريدة عن حالتك الاجتماعية مثلًا أو تفاصيل حياتك، هذا يعرض نفسك لفوضى إلكترونية من نوع آخر. 

نحن رغمًا عنا نتأثر بالآخرين ونلاحظ من أعجب بمنشوراتنا ومن لم يعجب وكم "ريتويت" حصلنا عليه وهذا ليس شيئًا صحيحًا جدًّا؛ لأن التفاعلات الاجتماعية من هذا النوع مصنوعة من زجاج ويمكن أن تتكسر بسهولة جدًّا، فلو اعتمدت عليها وملأت مساحتك بها يمكن أن تتكسر، وتدخلك في فوضى أكبر أنت في غنى عنها.

العلاقات

أيضًا نحتاج إلى مصفاة لتخلصنا من فوضى العلاقات.

حدد العلاقات السيئة في حياتك وقم بإنهائها. الناس الذين لا يستمعون لك ولا يهتمون إلا بأنفسهم أو الذين يتعاملون معك بطريقة لا تعجبك؛ جميعهم لا يستحقون أن يأخذوا مساحة من تفكيرك أو حياتك، أنت أبقيتهم بأي مبرر؟ ربما سيتغيرون؟ أو أنك تريد أن ترضي كل الناس، أو تركتهم كسلًا أو خوفًا، في الحقيقة المبررات كثيرة، لكن الثمن أكبر. افتح الباب وقل لهم رافقتكم السلامة! 

لا تخف من الفراغ الذي سيتركونه، يجب أن تخرجهم كي يأتي أناس آخرون مكانهم.