كتاب الصحة النفسية للجميع ج١

Book-Cover

كتاب الصحة النفسية للجميع (المؤلف: فيكرام باتل)

نجد أحيانًا بعض من نهتم لأمرهم وهم يعانون أزماتٍ نفسيةً، ونرجو لو أمكننا مساعدتهم. 

لدينا ثلاث عشرة مشكلة نفسية معروفة سنقوم بالتحدث عنها في جزءين، تدور حول كيفية فهم تلك المشكلات النفسية، وكذلك كيفية تقديم الدعم النفسي المناسب لأصحابها.

الإرشاد النفسي

دعنا بالبداية نبدأ بمثال عام عن الاضطراب النفسي: هذه السيدة على سبيل المثال، هي بالخمسين وقد توفي زوجها، ومنذ ذلك الحين وهي تحس بالتعب طوال الوقت؛ ليست لديها القدرة حتى للقيام بالأعمال المنزلية البسيطة، وعندها شعور سلبي عن الحياة.. لو أنك شئت مساعدتها، فما الذي يمكنك عمله؟

التعامل: تولي القيادة

أنتِ نفسك؛ عندما تواجهين مشكلة،كيف تتصرفين؟ تفتشين عن الحل الذي سيحسن مزاجك، وتُحَل المشكلة، وتجتازين المسألة، صح؟

في بعض الأوقات، حينما تكون تلك المشكلة أكبر من الشخص فإنه يفقد قيادة نفسه، والحل هنا هو أن نتولى قيادته لفترة، حتى يقف على قدميه ثانية. سنقوم بذلك من خلال تطبيق تقنيات حل المشكلات.

وهي مكونة من خمس خطوات:

▪ أولًا: نحدد ما المشكلة التي يشكو منها الشخص. 

▪ ثانيًا: نلخص المشكلة بصورة بسيطة، ونقوم بإفهام الشخص كيف ترتبط الأعراض التي يعاني منها بالمشكلة. 

▪ ثالثًا: نختار الحل الذي يمكن أن يتخطى به مشكلته. 

▪ رابعًا: نحدد خطوات قابلة للتنفيذ تحتاج أن يتخذها الشخص لكي يتخطى المشكلة. 

▪ خامسًا: نراجع معه بعد فترة، هل قام فعلًا بتنفيذ الحلول؟ و هل ساعدته أم لا؟

لنطبق هذا الكلام على السيدة المذكورة سابقًا. 

لنقل إن مشكلتها الأساسية هي الوَحدة، وإنها خسرت الدعم الاجتماعي الذي كان زوجها يقدمه لها. 

بعدما نجعلها تفهم الأسباب وراء ما هي فيه، سنعرف منها ما مصادر الدعم الاجتماعي الممكنة، سنجد أن لديها أختًا في البلد المجاور، سنطلب منها أن تهاتفها، ونتفق معها على أن تتواصل مع صديقاتها مثلًا وتدعوهن لزيارتها أو تزورهن هي يوميًّا، حتى إذا لم تكن بالمزاج المناسب، لا بدَّ أن تنفذ ذلك وكأنه واجب مدرسي.

بعد أسبوع سنراها ثانية لنصحح لها الواجب ونقيِّم عملها. ليس من المقبول أن تكون الإجابة مقتضبة "آه تمام".. بخير؛ كلا، لا بدَّ أن تزودنا بتفاصيل محددة، ماذا فعلت بالضبط، وكيف أثر على مشاعرها… 

لو نجحت هذه الخطوة، ننتقل للهدف الآتي؛ واجب جديد، ونظل هكذا متولين قيادة حياتها، نطبق تقنيات حل المشكلات ونكلفها بالواجبات وبعد فترة سندعها لتتولى القيادة بنفسها.

الشخص الذي يفكر في الانتحار

الحالة الثانية عن الشخص الذي يفكر بالانتحار. 

ما الذي يجعل أي أحد يفكر بالانتحار؟ 

لو فكرنا في جميع الحالات التي تمنينا فيها لو تتوقف حياتنا، سنجد أنها الأسباب نفسها التي تدفع الناس للانتحار؛ الفرق هو أن الأفكار الانتحارية تمر علينا بسرعة وتكون مجرد رد فعل تجاه حادث مؤلم.

معظمنا يعالج المسألة بعد التحدث لصديق ما، أو يجد حلًا لمشكلته، وبالتالي تزول الأفكار الانتحارية من تلقاء ذاتها. 

لكن بالنسبة لمثل هذا الشخص؛ فإن الأفكار والمخططات الانتحارية تستمر وتترسخ وتتجلى؛ لأنها مرتبطة باضطرابات نفسية وصعوبات حياتية قاسية.

توجد خمسة أسباب تؤدي لترسيخ الأفكار الانتحارية: 

▪ أولًا: الاكتئاب؛ يعد من أهم الأسباب المؤدية للانتحار، لأنه يدفع المرء لفقدان الاهتمام بالحياة وكذلك الأمل بها. 

▪ ثانيًا: المشكلات الصحية طويلة الأمد؛ أي الأمراض المزمنة والمستعصية. 

▪ ثالثًا: بعض العوامل الاجتماعية/ الشخصية التي تدفع الإنسان للإحساس بالتعاسة بشكل مستمر. العلاقات/ الزواجات غير السعيدة، أيضًا قد تدفع الشخص لإنهاء حياته. 

▪ رابعًا: الصعوبات الاقتصادية، كالفقر، خصوصًا الفقر الطارئ المفاجئ المترتب عن فقدان الوظيفة. 

▪ خامسًا: عدم توافر الدعم الاجتماعي من خلال الأصدقاء أو الأهل الذين يمكن مشاركة مشكلاتك ومشاعرك معهم.

التعامل: الفهم والدعم

كيف نساعد شخصًا يفكر في الانتحار؟ ما يمكننا عمله من أجله هو الفهم والدعم. 

أي بأن نفهم أولًا ما السبب الذي دفعه للتفكير بالانتحار، لا نطمئنه بأي كلام قبل أن نفهم تمامًا ما وراء أفكاره تلك، وإلا فسوف يشعر بالمزيد من اليأس.

ثم نحاول مساعدته بعلاج تلك الأسباب.

الخطوة التالية للفهم هي الدعم. لا نتركه لوحده من دون دعم، نحاول التواصل مع أسرته وأصدقائه لو أمكن كي يقدموا له الدعم، ومن الأفضل لو يلازمه أحد بشكل دائم. 

وفي حال تعذر التواصل مع أسرته، أو لو أنها كانت هي أصل المشكلة، نفتش عن بديل كمجموعات الدعم أو بإشراكه في جماعة ما؛ كلما دفعناه خارج عزلته فذلك يحميه أكثر.

الشخص الذي يشعر بالذعر

الحالة الثالثة عن الشخص الذي لديه مشكلة في التعامل مع الخوف. 

شخص تتملكه المخاوف من أن أمرًا سيئًا سيقع، لا بأس لو أن هذا الخوف مبني على أسباب منطقية، لكن لو أنه كان يخاف من أنه سوف يموت أو أن مكروهًا سيقع لعائلته. أفكاره ليست قائمة على أسباب منطقية، هنا تتحول إلى مشكلة.

نوبات الذعر هي نوبات من القلق الشديد المصحوب بالخوف، تأتي عادة من لا شيء، ومن دون أي إنذار مسبق، وذلك الخوف ليس قائمًا على سبب منطقي. ترتبط النوبة بأعراض جسدية حادة، كتسارع نبضات القلب أو صعوبة التنفس.

التعامل: التدريب على التحكم في ردة الفعل

كيف نتعامل مع الشخص بهذه الحالة؟ بكلمة واحدة: ندربه. 

عندما تبدأ النوبة، عليه أن يراقب الأعراض التي يشعر بها، تنفسه مثلًا، إنه يتنفس بسرعة، إذن يدرب نفسه على أن يعكس العملية ويسيطر على وتيرة تنفسه، يتنفس بطريقة بطيئة ومنتظمة، يظل مركزًا على تنفسه، ويستمر بالمحافظة على المعدلات العادية، وهكذا ستخف قوة النوبة.

الشخص الذي تعرض لفقدان عزيز

الحالة الرابعة عن شخص كان لديه شخص يحبه، متعلق به، وقد مات هذا الشخص وهو الآن في مرحلة الحداد.

الحداد بشكل عام يمر بثلاث مراحل: 

▪ أولًا: مرحلة النكران. بعد الخسارة مباشرة، حيث يكون الشخص غير مصدق لما حصل وكأنه حلم ليس واقعيًّا. 

▪ ثانيًا: مرحلة الحزن. يصدق ما حصل ويشعر بالحزن على المفقود، ربما يحلم به، قد تظهر لديه مشكلات في النوم، فقدان الاهتمام بالأنشطة الطبيعية، وقد يحبس نفسه ويمتنع عن الكلام ومقابلة الآخرين. 

▪ ثالثًا: مرحلة إعادة التنظيم. يبدأ بتقبل الخسارة، ويستأنف حياته ويتحرر من تعلقه بمن رحل؛ نعم هو حزين غير أن حزنه لم يعد يمنعه من الاستمتاع باللحظات الجميلة

كيف نعرف أن الشخص الذي أمامنا يعاني مشكلةً هنا؟

إذا لم يستطع بلوغ المرحلة الثالثة. أما الشخص الذي بدأ يخطط لمستقبل غير قائم على وجوده مع شخص المحبوب، فقد تخطى الأمر بصورة طبيعية. ولكن لو أنه لم يستطع التخطيط لمستقبله بدونه، فلديه مشكلة.

التعامل: دفعه للعودة إلى حياته الطبيعية

أول شيء، نتكلم معه عن مراحل الحداد الثلاث ونشرح له أن ما يمر به طبيعي، وبالنتيجة سوف يكون متوقعًا لما سيحصل ولن يقلق من مشاعره. 

بعد ذلك؛ نشجعه على التحدث عن مشاعره مع من يثق بهم. 

ثم بالنهاية، الخطوة الأهم، هي أن ندفعه دفعًا ليعيد تنظيم حياته المستقبلية من غير وجود الراحل العزيز، وذلك بأن يعود لأنشطته وأعماله الاعتيادية (بعد ثلاثة أو ستة أسابيع بالكثير).

الشخص المُحبَط

الحالة الخامسة عن شخص يحس بالإحباط طوال الوقت. ما الذي يجعل المرء يعْلَق في دائرة الإحباط؟ السبب أنه ينظر للحياة بسلبية.

لدينا طريقتان للنظر إلى الحياة: 

▪ الأولى: هناك من يرى أن المشكلة فيه عندما يتعرض للرفض. ويرى أنه سوف يشعر بالبؤس طوال عمره. 

▪ الثانية: الذي لا يرى أن المشكلة فيه بالضرورة، طالما أن هناك آخرين يتقبلونه في حياتهم، فلا مشكلة لديه.

هو يدري أنها أحاسيس مؤقتة، يدرك أنه ليس على ما يرام حاليًّا، ولكنه سيشعر بالتحسن لو تحدث مع أحدهم أو حاول حل مشكلاته.

إن كنا نتعامل مع شخص من النوعية الأولى ونرغب بمساعدته، فماذا سنفعل؟

الحل: أن نعلمه الملاحظة

ملاحظة الأفكار السلبية التي تطرأ على تفكيره، يراقبها ويكون واعيًا بها. 

مثال: شخص لم يتم قبوله بوظيفة معينة، وهو الآن يفكر كم أنه بلا جدوى وبأنه سيبقى عاطلًا عن العمل طوال عمره. 

لو بدأ بتطبيق أسلوب الملاحظة، فور أن تأتي تلك الأفكار لرأسه، سيسأل نفسه: هل ما أفكر فيه الآن حقيقي؟ سيتجه للتعاطي مع الظرف نفسه بطريقة مختلفة؛ أي نعم لم أحصل على الوظيفة، ولكن لا بأس بذلك، توجد أزمة بالوظائف، المنافسة كبيرة، أنا لم أوفق بكتابة طلب التقديم، سوف أكتشف ما الذي أخفقت فيه وأجرب فرصي في مكان آخر…

الشخص الذي يشكو من النوم

الحالة السادسة عن شخص لديه مشكلات بالنوم.

لمساعدة الشخص الذي يعاني مشكلات متعلقة بالنوم

نتحدث معه ونحاول اكتشاف ما إذا كان هذا الأرق هو عَرَض لمشكلة غيره، نفسية مثلًا. نطرح عليه أسئلة حول ما يشغل تفكيره مؤخرًا، وإن كان قد فقد الاهتمام بشيء مؤخرًا، ونتفحص أي أعراض أخرى.

لو تبين لنا أن الأرق عَرَض لمشكلة نفسية، حِداد أو اكتئاب مثلًا؛ فنتعامل معها بحسب الطريقة التي تناسبها مما ذكرناه سابقًا أو سنذكره لاحقًا. أما لو أنه لم يكن عَرَضًا لمشكلة نفسية، فقد يكون بسبب نمط حياة غير مضبوط. في الحالتين نحتاج إلى عمل تعديلات على نمط حياة الشخص. 

كأن يلتزم بنظام نوم يومي صارم؛ يدخل في السرير في موعد ثابت وينهض في موعد ثابت، بغض النظر عن عدد ساعات النوم التي استغرق فيها فعلًا في النوم. 

أما لو حاول واستعصى عليه التحايل على النوم، يجرب ينهض وينشغل بأي نشاط، كأن يقرأ لمدة ربع ساعة ثم يستأنف محاولة النوم. كذلك لا بد من أن يحول غرفة نومه لمكان ملائم للنوم، أن تكون مظلمة وهادئة.