كتاب سيكولوجية العنف البشري

Book-Cover

كتاب سيكولوجية العنف البشري (المؤلف: كولن ولسون)

حينما نسمع عن واقعة تتسم بالقسوة نشعر وكأن من قام بها مجرمٌ شرير، وكأنه شيطان بقرونٍ ويختلف عنا نحن البشر.

ولكن، إلى أي حد يعدُّ هذا صحيحًا؟

المجرم طفل

نحن منغمسون في ذواتنا بشكلٍ كبير، وهذا واضح في الجنس البشري بصورة عامة؛ فهو يتصف بأنانية وحب للذات، وهو واضحٌ جدًّا في الأطفال؛ إذ لا يستطيعون إخفاءه.

إن احتاج الطفل إلى شيء سيصرخ بصوت عالٍ مطالبًا به- دون أن يهمه ما حوله- إذ إن لديه شعورًا بأنه محور الوجود؛ ولذلك يحتج بأعلى صوته إن حتى تقاسم أخوه معه في الاهتمام.

يرى الطفل أن له قيمة جوهرية تتطلب أن يحظى باهتمام الجميع، ويطالب الناس بأن يروه وكأنه كائن فريد، وحتى إن لم يستطع طلب ذلك بصوت عالٍ، فهو يلبي احتياجاته في أحلام اليقظة.

يكبر الطفل ويمر بمرحلة الشباب التي يكون فيها واقعيًّا أكثر، ويشعر بأنه شخص عادي مثل غيره، ويتصرف من الخارج على هذا الأساس، لكنه في أعماقه يملك قليلًا من مشاعر التميز والتفرد التي كانت لديه منذ الطفولة.

إن المجرم منغمسٌ في مشاعره الذاتية دونما أي اعتبارٍ للآخرين، وهو ليس إلا طفلًا لم يكبر بعد. طفلٌ لا يرى غير وجهة نظره فحسب.

مثلًا، سوف يسرق اللص لأجل المال بدلًا من العمل، والمغتصب بدلًا من أن يخاطب ود الأنثى سيلجأ للخطف، إن المجرم ليس إلا طفلًا يحاول الوصول لما يريد بطرقٍ مختصرة.

استسهال المجرم للجريمة

هذا يؤدي بنا إلى حقيقة غريبة قليلًا، إن أسوأ أنواع الجرائم لا يرتكبها الحمقى وإنما يرتكبها إنسان متحضر ذكي وفّر لها مبرراتٍ ودوافع كافية. 

القتل الجماعي الذي ارتكبه "هتلر" لم يكن له هدف شرير في رأيه، وإنما كان نتاجًا مشوهًا لأفكار مثالية جعلته يظن أنه بهذا القتل سيخلق عالمًا أفضلَ. 

كذلك عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنابل نووية على اليابان فقتلت وشوهت الأبرياء، وأيضًا من يقوم بعمليات إرهابية فيقتل أبرياء دون ذنب، هو يملك الظن نفسه. إن الجرائم كلها ترتكب بمبرر مثاليٍ جدًّا، وهي في نظر أصحابها حلول ستوصلنا إلى النهاية السعيدة أخيرًا!

العنف طبيعة بشرية

حسنًا، ما مصدر العنف لدى المجرم؟

يعدُّ العنف طبعًا بشريًّا- فهو موجود لدى الناس بصورة خاملة- وما ينقصه هو التبرير؛ فلو وُجِدَ التبرير المناسب سيخرج هذا العنف. إنك تستطيع الإحساس بوجود العنف في مواقفَ عدة، انظر لردود فعل البشر حينما يُرتكب سلوك يتسم بالقسوة تجاه شيء ما يخصهم، اسمع ما يريدون فعله كي يُعاقِبوا الفاعل، إن العنف بداخلهم خامل يحتاج إلى ما يُخرجه.

الانقطاع عن الواقع

حسنًا، ما دام العنف طبعًا بشريًّا، إذًا ما الذي يفرق بين المجرم والشخص العادي؟

يكون المجرم منقطعًا عن الواقع بشكل يجعله يشعر بأن أفكاره مبررة، لو كان فقيرًا فلن يرى سوى أفكاره الذاتية مثل أن من حقه أن يعيش حياة جيدة؛ فلا ضير في أن يسرقك أو يقتلك كي يأخذ مالك ليعيش تلك الحياة الجيدة.

لكن الشخص العادي يبقى متصلًا بالواقع، صحيح أن من حقه أن يعيش حياة جيدة، لكن المُعتدى عليه هو إنسان أيضًا من حقه أن يعيش.

إذًا، من أين تأتي حالة الانفصال عن الواقع هذه؟

إنك تملك عقلين- بصورة مجازية- عقلٌ موضوعيٌ يتعامل مع الجانب العملي من الحياة والمشكلات خارج ذاتك، وعقلٌ آخر موجه لمشكلاتك الداخلية، وأنت تتحرك ما بين العقلين يوميًّا.

مثلًا، أنت الآن تشاهد حلقةً من "أخضر"، إنك الآن تستخدم عقلك الموضوعي، وحينما تدخل في أحلام اليقظة فإنك قد انتقلت لعقلك الذاتي، وهذا قريب جدًّا من حالة فقدان الصلة بالواقع التي يعيشها المجرم.

مثال آخر يوضح طريقة رؤية المجرم للعالم: تخيّل أنك تأخرت على موعد مهم، أنت الآن في الشارع تعاني الزحمة الشديدة، تنظر للإشارة ولكل الطرقات وكأنها تعاديك بشكل شخصي، يزداد توترك، وهذا يجعلك تنفصل أكثر عن الواقع- وكلما انفصلت عن الواقع أصبحت أحكامك لا منطقية شخصية ميالة للمبالغة-. 

منطقيًّا، أنت تعلم أن إشارات المرور لا تقصدك شخصيًّا، وتعلم أن للناس من حولك الحق نفسه في المشي عبر الطريق، لكنك حينها تكون "شبه منوّم" لا تفكر بأي عقل، وهذه طريقة تعامل المجرم مع العالم.

المسؤولية عن الجريمة

فقدان المجرم للسيطرة على نفسه لا يعفيه من تحمل المسؤولية عن جرائمه؛ لأن ذلك اختيار ذاتي.

حينما ينتابك الغضب في زحمة السير فأنت قد تستسلم له بمحض إرادتك، وقد لا تستمع لجانبك العقلاني وتتجاهله حتى يفقد قوته تدريجيًّا.

وقد يعود الجانب العقلاني بعد ارتكاب الجريمة ويؤدي للاعتراف بها والندم، وقد لا يعود فيستمر المجرم في تبرير جريمته.

التفكير المسحور

هو نوع من أنواع خداع الذات، نسمح فيه لرغباتنا وانفعالاتنا بأن تقنعنا بشيءٍ تدل الأسباب الفعلية على عدم صحته. 

لو كانت كل الأدلة المنطقية تشير إلى خطأ قمنا به، سنتجاهلها ونجعل الحَكَم هو انفعالاتنا، ما دمنا نشعر بأننا أبرياء فنحن أبرياء!

قوى الوجود

يتحكم في تصرفات البشر قوتان كبيرتان: التوتر (ت) والسيطرة (س).

  • القوة (ت) وهي التوتر، تعمل على تشتيت عالمنا الداخلي وعدم ثباته.
  • القوة (س) وهي السيطرة، تعمل على دعم الثبات وكبح الانفعال.

حينما نستيقظ صباحًا نتعرض لكل المؤثرات المختلفة التي تراكم التوتر، ونحاول أن نستخدم قوة السيطرة كي نحجم هذا التوتر أو نوجهه إيجابيًّا. 

وهذا ما لا يعرفه المجرم؛ فهو لا يستطيع مقاومة التوتر والسيطرة عليه وذلك لسببين: 

1- الضعف (ضعفه الشخصي).

2- التوتر (قوة التوتر المؤثر عليه).

إذًا، ما الحل؟

كما استعرضنا سابقًا، يصبح المجرم مجرمًا لامتلاكه لـ3 صفات: 

  • عدم نضج.
  • ضعف.
  • خداع للذات.

إن هذه الصفات الثلاث تجعله في موقف سلبي تجاه الحياة؛ فيكون مؤمنًا بأنه لن يستطيع تحقيق أهدافه إلا بطرق سلبية كالقوة والخطف والسرقة، ويغدو "شبه أعمى" لا يجدي النصح المباشر معه نفعًا.

إن إعادة التأهيل للمجرم تبدأ من إيمانه بالافتراض السلبي تجاه الحياة، عن طريق دفعه لاستخدام الجزء العاقل لديه وتنميته، وحينها تبدأ ذاته المسيطرة في تولي القيادة.