كتاب الاحتراق النفسي

Book-Cover

كتاب الاحتراق النفسي (المؤلف: ويلمار شوفلي)

هل رأيت يومًا شيئًا يحترق؟

لا بدَّ أنك لاحظت أنه في بعض الأحيان يبقى ذاك الشيء محافظًا على شكله إلى حين أن تلمسه، وهنا ينهدم دفعة واحدة. هذه الحالة لا تنطبق فقط على الاحتراق الفعلي؛ فالناس أيضًا يمرون بحالة مشابهة لذلك، وتكون من التوترات الناتجة عن الحياة رغم أنه يظهر عليهم خارجيًّا أنهم لا يزالون محافظين على شكلهم الطبيعي وغِلافهم الخارجي سليمًا أمام الجميع.

هذا يعرف بالاحتراق النفسي، وهو حالة من الإجهاد العاطفي والعقلي والجسدي تجعل المصاب بها غير قادر على القيام بوظائفه بشكل طبيعي.

أعراض الاحتراق النفسي

تتنوع أعراضه ما بين نفسية واجتماعية وصحية وسلوكية.

  • الأعراض النفسية؛ نجد الأفكار والمشاعر السلبية مثل الإحباط والشعور بالفشل وعدم الإحساس بوجود أي دافع للعمل.
  • الأعراض الاجتماعية؛ سوء علاقة المصاب مع كل من حوله بشكل عام؛ فتجده مثلًا يقلل معدل التواصل بينه وبين أهله وأصحابه لأقل ما يمكن.
  • كما أن المصابين تظهر عليهم أعراض جسدية؛ مثل الشعور بالتعب أغلب الوقت والصداع المتكرر، بالإضافة إلى الأرق وفقدان الشهية.
  • ناهيك عن الأعراض السلوكية؛ مثل الانسحاب من المسؤوليات وانخفاض الكفاءة في العمل وعدم الالتزام بالمواعيد، والتفريغ السلبي لمشاعره في صورة عدم رأفة أو تعاطف مع الآخرين في بيئة العمل أو في بيئته الاجتماعية.

وأعراض أخرى تظهر تباعًا للمواقف الحياتية للفرد؛ فهي كالنار التي ما إن تشتعل حتى تصل بصاحبها إلى الاحتراق الكامل.

الأكثر عرضة للخطر

الاحتراق النفسي سببه الأساسي هو الضغط الشديد والمستمر في محيط العمل؛ فهو يعدُّ رد فعلٍ اتجاه هذه الضغوط التي لا نجيد التعامل معها.

وهذا رد فعل عام يمكن أن يصيب أي شخص، لكن توجد ثلاث مهن أصحابها أكثر عرضة من غيرها لاحتمالية الإصابة، وهي:

  •  المهن التي فيها مجهود فكري وعقلي كبير.
  •  المهن التي فيها مسؤولية كبيرة تجاه أفراد آخرين.
  • إضافة إلى المهن التي فيها أهداف صعبة المنال أو مستحيلة.

ولا يشترط هنا أن تكون هذه المهن بمقابل مادي؛ فمثلًا تربية الأمهات لأبنائهن قد تدخل ضمن هذا النطاق، وكذلك الطلبة في أثناء دراستهم وهكذا…

الأسباب

يمكننا تقسيم الأسباب التي تؤدي إلى الاحتراق قسمين كبيرين هما:

  • أسباب تنظيمية.
  • أسباب فردية.

أولًا: الأسباب التنظيمية

وهي متعلقة بالعمل نفسه؛ ذلك عندما يكون الفرد في بيئة عمل غير مناسبة، وضغوط عمل فوق الحد أو ضغوط بيروقراطية، بيئة عمل فوضوية، عدم تقدير لإنجازاته في العمل، أو قلة المكافآت المناسبة على عمله، أو أي شيء يشعره أنه مهما بذل من مجهود فلن يكون له تأثير فعال. هذا سيسبب له الخلل بين التوقعات المبدئية التي لديه أو التي ينتظرها وبين ما يحصله في أرض الواقع مما يدفعه للسقوط في حلقة الاحتراق السلبية.

ثانيًا: الأسباب الفردية

وهي متعلقة بالشخص نفسه؛ إذ إن السمات الفردية تؤثر في قدرة الفرد على مواجهة الأسباب التنظيمية التي سبق ذكرها وعوامل الضغط الخارجية تقيمها يتغير من شخص لآخر.

فالبعض قد يرى أن تكليفه بمهمة إضافية تحدٍ يتيح له ممارسة مهاراته، والبعض الآخر لا يرى فيها سوى الخطر والتهديد، ذلك لأن الناس تختلف في ردود الفعل وفي مدى الإشباع الفردي، إذ نجد الذي يعدّ العمل كل حياته، ونجد الذي عنده حياة خارجية إضافية يحصل منها على الدعم.

الأول سوف يحترق بصورة أسرع بكثير من الثاني بصورة عامة. إن أكثر ٤ أشخاص عرضة للإصابة بالاحتراق وهم:

  • الأشخاص الذين عندهم مُثل عليا في الأداء والنجاح.
  • الأشخاص الذين يربطون رضاهم عن أنفسهم بالأداء المهني.
  • الأشخاص الذين يركزون اهتمامهم على عملهم.
  • الأشخاص الذين لا يملكون إشباعًا فرديًّا خارج العمل.

مراحل الاحتراق النفسي

الاحتراق النفسي له أربع مراحل يمر بها الشخص.

هذا طبيب، وحاليًّا هو مصاب بالاحتراق النفسي، ولكي يصل إلى الدرجة التي هو فيها يمر بأربع مراحل:

مرحلة الحماس

وهي أول مرحلة، إذ يبدأ عمله وكله آمالٌ عالية وتطلعات غير واقعية بأنه قادر من خلال وظيفته هذه أن يُظهر قدراته المهنية الكبيرة.

مرحلة الركود

بعد فترة تنتهي مرحلة الحماس، وتبدأ مرحلة الركود، إذ يشعر الطبيب بأن الحاجات المادية والمهنية والشخصية التي لديه لم يتم إشباعها، ويبدأ بملاحظة أن النظام لا يسير وفق ما اعتقده؛ فيجد فردًا أقل منه في الكفاءة تمت ترقيته على عكسه هو؛ لأن الشخص الآخر ملتزم بالنظام البيروقراطي أو لديه واسطة.

وفي هذه المرحلة يبدأ الطبيب في رؤية الأشياء على حقيقتها، وتبدأ الحوافز الداخلية التي كانت عنده تقل واحدة تلو أخرى.

مرحلة الإحباط

بعد فترة تقل الحوافر الداخلية للعمل، وهو بطبعه لا يملك حياة خارج العمل لتكون بمثابة تعزيز خارجي له عن السلبية التي يتعرض لها؛ فيستجيب لذلك كله بأن يدخل مرحلة الإحباط.

إذ يبدأ في التساؤل عن أهميته وفعاليته ودوره، ويترجم هذه الأفكار لأعراض توتر وقلق وإحساس دائم بالإجهاد الجسدي.

مرحلة البلادة

بعدها يدخل مرحلة الإنهاك الانفعالي التام. هنا يتم استنفاد كل الموارد الانفعالية التي لديه، فلا يقدر أن يواجه المتطلبات الانفعالية للعمل لأنه ليس له موارد أو مصادر للتزود بالطاقة؛ فيستجيب لحالة نقص الموارد هذه باللامبالاة التامة تجاه الوضع الحالي، وتتدنى معها أهدافه ورؤيته المثالية، وبصورة أشمل يبدأ بتبني مواقف سلبية تجاه المنظومة كلها بما فيهم المستفيدون من الخدمة التي يقدمها هو؛ فيعاملهم معاملة سيئة كأنهم ليسوا بشرًا.

الإرهاق والاحتراق النفسي

نذكر هنا نقطة مهمة؛ وهي أن هناك فرقًا بين "الإرهاق والاحتراق النفسي".

  • الإرهاق: هو الإحساس بالضيق والتعب المؤقت من ضغوط العمل، وبمجرد أن تخف الضغوط يشعر الشخص بتحسن، ويبدأ بالشعور بأن كل شيء تحت السيطرة.
  • الاحتراق النفسي: هو شعور الفرد على الدوام بالإرهاق والتشاؤم والاكتئاب، حتى في حالة إذا ما اختفت الضغوط؛ فإنه يكون قد احترق وملأه فراغ أعدمه الدافعية؛ فلم يعد يرى رجاءً في التغيير الإيجابي.

كما أن الشخص المصاب بالإرهاق يكون واعيًا بأنه تحت ضغط، أما الشخص المصاب بالاحتراق النفسي فيكون في حالة إنكار، ولا يدرك حالاته بالأساس.

التعامل مع الاحتراق النفسي

ليتفادى الشخص الذي تظهر عليه أعراض الاحتراق سواء بصورة بسيطة أو كبيرة (مرحلة الإيقاف التام عن الحياة) يجب عليه أن يحاول إطفاء حريقه، وذلك باتباع الخطوات الآتية:

تصفية حساباته مع نفسه

ليس من الجيد أن تعمل لعشرين ساعة في اليوم، وأن تحمل عملك إلى بيتك.

قيم درجة إصابتك

قيّم حياتك وقدر إلى أي درجة التوتر والضغوط التي تتعرض لها واسأل نفسك: هل أنا على الطريق الصحيح أم لا؟

فليس من المعقول أن تكون متاحًا للمدير والزملاء حولك في العمل طوال الوقت، حتى بعد انتهاء وقت العمل أو في الإجازات. 

عليك أن تجدد نشاطك وتصفي ذهنك؛ فكما أن مصالح العمل مهمة كذلك مصالحك الشخصية لها الأولوية أيضًا.

أعطِ نفسك حقَّها

ذلك بأن تعرف حقوقك وواجباتك في العمل هذا سيساعدك على توقع الضغوط الممكنة، ويمنحك فرصة أن تكون واعيًا بمشاعرك وانفعالاتك قبل أن تحصل.

قسّم حياتك لثلاثة أجزاء:

  • العمل.
  • المنزل.
  • الحياة الاجتماعية.
    وركز قدر الإمكان على كل جزء على حدة، ولا تسمح لضغوط أحدها أن تؤثر في الآخر، كما أنك بحاجة إلى أن تعيد فحص قيمك وأهدافك وأولوياتك.

إن أهدافك غير الواقعية والمثالية سوف تؤدي بك إلى الإحباط..

الاستقرار العاطفي

إن الاستقرار العاطفي عامل مهم أيضًا؛ فهو يحميك من بيئة العمل؛ إذ كلما كان في حياتك أُناس يصغون إليك، ويشاركونك فيها كنت أقوى، ذلك دون أن ننسى العادات الصحية مثل النوم الجيد والأكل الصحي والراحة.

نمِّ اهتماماتك الخارجية

أخيرًا: نمِّ اهتماماتك الخارجية، واملأ وقت فراغك بالأنشطة الفعالة.

وبدلًا من أن تنام على الأريكة وأنت تقوم بنشاط سلبي مثل مشاهدة التلفزيون أو تصفح الشبكات الاجتماعية، حاول أن تمارس نشاطًا إيجابيًّا مثل: ممارسة رياضة أو هواية ما.