جسمك يتذكر كل شيء: الدماغ والعقل والجسم في عملية الشفاء من الصدمة النفسية

الجسم لا ينسى الألم
لو فاكر إن الصدمات النفسية بتأثر على عقلك بس، تبقى غلطان.لأن جسمك كمان بيحس بالوجع اللي مر بيه تاني حتى لو عقلك نسي الموقف!!
غريبة صح؟ خليك معايا في حلقة النهاردة المبنيه على كتاب "جسمك يتذكر كل شيء: الدماغ والعقل والجسم في عملية الشفاء من الصدمة النفسية " للدكتور بيسيل فان دير كولك، وهعرفّك على سر خطير: إن جسمك مش بس عنده ذاكرة لظروف ومواقف سيئة، لكن كمان ممكن يفتح لك أبواب جديدة عشان تُشفى من صدمات ومشاكل قديمة. فركز معايا لأني هحكيلك بالتفصيل..
تعالى بقى أما أقولك ازاي جسمك يتذكر كل شيء!!
اضطراب ما بعد الصدمة
شوف.. لما حرب فيتنام خلصت والجنود رجعوا بيوتهم، شخصياتهم كانت أتغيرت تمامًا . كانوا شايفين نفسهم في حالة غريبة، مش قادرين يعيشوا بهدوء وراحة حتى بالرغم من إن الحرب انتهت خلاص!!
كانوا لسه بيتصرفوا وكأنهم في المعركة وبنفس المخاوف والمشاعر المؤلمة..
جواهم كان في صراع داخلي مستمر، أفكارهم كلها مشوشة، مش قادرين يتخلصوا من الأثر النفسي والعقلي اللي سابته الحرب.
اللي عايشين التجربة دي بيحسوا بشعور غير مريح طول الوقت ، سواء كانوا في وسط الناس أو لوحدهم. حتى لو كانوا موجودين في أماكن آمنة، دماغهم مش قادرة تستوعب إن الحرب خلصت.
وكان الاضطراب ده مش بس بيحصلّهم على مستوى العقل، لكن كان له تأثير كبير على الجسم.
الجنود كانوا بيحسوا بآلام جسدية غير مبررة، زي آلام في الصدر أو في البطن.
الحالة دي معروفة باسم "اضطراب ما بعد الصدمة" أو (PTSD)، وهي حالة نفسية بتحصل بعد ما الشخص يتعرّض لحدث مروع أو صادم. وبتخلي الشخص يعيش في حالة من الاضطراب المستمر، وكأنه لسه في قلب الحدث الصعب اللي حصل مهما عدى عليه وقت.
الجنود مثلًا كانوا بيفكروا دايمًا في الموت، سواء كان موتهم أو موت ناس حواليهم، وكان عندهم خوف دائم من إنهم يرجعوا للتجربة المؤلمة دي من جديد.
وعشان تفسر الصدمات دي يا صديقي لازم تفهم إننا لما بنتعرّض لمواقف صعبة أو لخطر مباشر، دماغنا بتشتغل بطريقة معينة علشان تحمي الجسم.
فيه منطقة في الدماغ اسمها Amygdala أو اللوزة الدماغية؛ وهي المسؤولة عن استشعار الخطر وتنبيه الجسم. لما يحصل أي نوع من التهديد، الأميجدالا بتبدأ تشتغل بسرعة وتطلق إشارات بتخلي الجسم يتحضر لسيناريوهين:
- هل الشخص يهاجم ويتفاعل مع اللي بيحصل..
- ولا يهرب؟
يعني باختصار، الدماغ بيعرف يميز إذا كان في خطر ولا لأ.
المشكلة بقى إننا لو اتعرضنا لصدمة كبيرة، زي الجنود في الحرب، الأميجدالا بتبدأ تشتغل بشكل مفرط.
مش بس بتشتغل بشكل مبالغ فيه في لحظات الخطر، لكن بتستمر في إرسال إشارات خوف وقلق حتى في الأوقات اللي المفروض الشخص بيكون فيها آمن ومعندوش مشاكل.
والنتيجة هي إن الشخص بيعيش في حالة توتر مستمرة، مش قادر يسترخي أو يعيش الحياة بشكل طبيعي. ده مش لأنه مريض أو ضعيف، أو بيحصل معاه حاجة حاليًا لأ.. لكن دماغه غيرت استجابتها للواقع بسبب الصدمة. النتيجة إن الشخص بيعاني من أعراض زي الكوابيس المتكررة، التخيلات اللي بتحسسه إنه لسه في الحرب أو حتى بتفرض عليه شعور من العزلة.
وللأسف المشاكل مبتقفش على الجانب النفسي وبس، لأ.. دا من أكبر التغيرات اللي بتحصل بعد الصدمة هو تأثيرها على مناطق معينة في الدماغ؛ الأبحاث العلمية بتوضح إن الدماغ بيحصل فيه تغيير في النشاط الكهربائي بعد التعرض لصدمة. المناطق المسؤولة عن الذاكرة، زي "الحُصين" أو (hippocampus)، بتقل قدرتها على العمل بشكل صحيح، في حين إن المناطق المسؤولة عن المشاعر زي الأميجدالا، بتنشط بشكل مفرط. ده بيوضح إزاي الشخص بعد الصدمة مش قادر يميز بين الماضي والحاضر، وكأن الصدمة لسه مستمرة.
وده اللي بيظهر في حالة الجنود، هما فعليًا مش قادرين ينسوا أو يتخلصوا من ذكريات الحرب. دماغهم مش قادرة تتعامل مع المشاعر بطريقة طبيعية. غير إن الشخص بعد الصدمة مش بيقدر يسترجع الذكريات بشكل واضح، وده بيؤدي إلى شعور مشوش أو ضياع في الزمن للأسف!!
بس السؤال هنا هل فيه علاج للصدمات دي؟
هل التعافي ممكن؟
شوف يا صديقي العلماء بيتعاملوا بأكثر من طريقة للتعامل مع الأثر النفسي للصدمة.
أولهم: العلاج السلوكي المعرفي (CBT) واحد من أكثر الأساليب فعالية في علاج اضطراب ما بعد الصدمة.
في العلاج ده، بيشتغلوا مع الشخص على مواجهة مخاوفه والأفكار السلبية اللي بتدور في دماغه، وبيساعدوه إنه يقدر يسيطر على مشاعره ويعيد بناء حياته.
فيه كمان تقنيات تانية زي التأمل والتنفس العميق، اللي بتساعد على تقليل التوتر والقلق. فالتأمل بيساعد الدماغ على الاسترخاء والتركيز في اللحظة الحالية، وده بيقلل من النشاط المفرط في الأميجدالا.
كل دي طرق بتساعد الناس إنهم يتعاملوا مع ذكرياتهم المؤلمة، وتعلمهم أزاي يقدروا يعيشوا حياة طبيعية تاني.
بس الشفاء من الصدمة مش معناه إن الشخص هيبطل يحس بأي ألم، أو إنه هينسى التجربة تمامًا. لكن معناها إنه هيتعلم إزاي يعيش مع الصدمة دي بشكل أفضل. الشخص ممكن يتعلم إن الألم جزء من التجربة الإنسانية، وإنه مش لوحده في المعركة دي. فالدعم الاجتماعي كمان له دور كبير في الشفاء. لما الشخص يكون عنده ناس حواليه بيدعموه وبيفهموه، ده بيخليه يحس انه مش لوحده في معركته. والدعم ده ممكن يجي من الأسرة، الأصدقاء، أو حتى مجموعات الدعم النفسي.
لكن برضه مهم إن الشخص يرضى ويتقبل نفسه، ويعرف إن الشفاء مش سهل، لكنه ممكن. وأيوة العلاج بياخد وقت، لكن مع الجهد والإصرار، الشخص ممكن يبدأ يعيش حياة أفضل حتى من اللي كانت عنده قبل الصدمة.
أطفال الـ PTSD
بس المشكلة إن الصدمات دي ملهاش سن معين، وزي ما بتيجي للكبار بتيجي للصغيرين
الكتاب بيقول إن الأطفال اللي مروا بتجربة صادمة بيبقوا زي وردة صغيرة اتعرضت لرياح شديدة. عشان تقدر تنمو تاني، محتاجة رعاية خاصة ومكان آمن يحس فيه الطفل إنه مش مهدد. الطفل المصاب بالصدمة بيكون في حالة خوف وارتباك مستمر، وهو مش قادر يعبر عن مشاعره أو حتى يفهمها، عشان كده بتكون العلاقة الآمنة مع الكبار مهمة جدًا في مرحلة التعافي. بناء العلاقة دي مش سهل، لكنه مهم جدًا في عملية العلاج. مفتاح تعافي الطفل هو إنه يلاقي علاقة آمنة تدعمه وترجّع له إحساسه بالأمان والثقة في نفسه وفي الناس حواليه.
الطفل الطبيعي بيبدأ يتعلم من أهله والبيئة اللي حواليه إنه في أمان، وإن في حد دايمًا موجود عشان يحميه ويسنده. لكن لما بتحصل الصدمة، الإحساس ده بيتكسر تمامًا. الطفل مش بس بيحس إنه مهدد، لكن كمان بيبدأ يشك في كل اللي حواليه. مش مجرد خوف من حدوث شيء معين، لكن خوف مستمر، خوف ملوش تفسير منطقي، بيحس إنه مش قادر يثق في الناس ولا حتى في نفسه.
ده غير الخوف من التعلق اللي بيخليه يبعد عن الناس ويحاول يعيش في "عالمه الخاص" عشان ما يتأذيش تاني. بيبقى خايف يفتح قلبه لأي حد، وبكده بتضيع فرصته في بناء علاقات صحية وسليمة.
والحل الوحيد عندنا هو إننا نبني معاهم علاقات آمنة، يقدروا يثقوا فينا من خلالها.
بس بناء علاقة آمنة مع الطفل خاصةً لو كان مرّ بتجربة صعبة مش حاجة بتحصل في يوم وليلة. هي رحلة طويلة، أساسها الصبر والهدوء. تخيل إنك بتقرب من طفل عنده خوف من العالم، كل تصرف منك بيفرق معاه. فمتستعجلش إنه يثق فيك، لأنه محتاج وقت عشان يحس بالأمان. ممكن في البداية يكون متحفظ أو حتى يتجاهلك، وده طبيعي. أهم حاجة إنك تبقى موجود من غير ما تضغط عليه، تسيبه ياخد وقته لحد ما يقرر بنفسه إنه مستعد يفتح قلبه.
وفي الرحلة دي، أهم حاجة إنك تسمعه… تسمعه بجد، من غير ما تقاطعه أو تحاول تدي حلول فورية. الأطفال مش دايمًا بيعبّروا بمنطق الكبار، ساعات كلامهم بيكون متلخبط أو مكرر، لكن اللي بيهمهم إنهم يحسوا إن حد مهتم بيسمعهم. وده يقودنا لنقطة تانية: وهي الدعم العاطفي. مجرد جملة بسيطة زي "أنا هنا، مش هسيبك"، أو "أنا فاهم إن ده صعب عليك" ممكن تفرق معاه أكتر مما تتخيل. إحساسه إن فيه حد جنبه بيسنده، من غير ما يحكم عليه، بيخليه يبدأ يثق أكتر.
لكن علشان العلاقة دي تبقى قوية، لازم تكون ثابتة. الأطفال اللي مروّا بصدمات بيخافوا من فكرة الفقدان أو التخلي، فلو كنت معاهم يوم واختفيت اليوم اللي بعده، ده هيزود إحساسهم بعدم الأمان. وجودك المستمر بيديهم طمأنينة إنك مش مجرد شخص مؤقت في حياتهم.
وفي وسط كل ده، متنساش إن مشاعرهم حقيقية ولازم يتم الاعتراف بيها. لما يقول لك "أنا خايف"، متستهونش بكلامه أو تقوله "ما تخافش"، لكن طمّنه بكلام بسيط، قول له "أنا فاهم إنك خايف، وده إحساس طبيعي، بس أنا هنا معاك". ده بيخليه يحس إنه مسموع ومقبول، ودي خطوة كبيرة في بناء الثقة.
وأوقات، مش كل المشاعر بتطلع بالكلام. بعض الأطفال بيعبروا عن اللي جواهم بطريقة غير مباشرة، زي اللعب أو الرسم. ممكن تلاقيه بيبني عالمه الخاص بالمكعبات، أو بيرسم صور تعبر عن اللي حاسس بيه، وهنا دورك إنك تكون موجود بطريقة غير مباشرة، تلعب معاه، تسأله عن رسمته، وتدخله في مساحة آمنة يقدر يعبر فيها من غير ضغط.
وفي النهاية، العلاقة الآمنة دي مش كفاية لوحدها، الطفل محتاج يعيش في بيئة هادية ومستقرة، فيها روتين يومي يحسسه بالأمان، ومهم تشجعه إنه يعبر عن نفسه بحرية.
لما كل العناصر دي تشتغل مع بعض، بيبدأ الطفل مش بس يثق، لكن كمان يتعافى وينمو في بيئة تدعمه بجد ❤️
عوامل مهمة لمن يعاني من الصدمات النفسية
بعد كدة الكاتب بيربط بين علاجات الجسم وأثرها على الصحة النفسية ، يعنى لما نيجي نتكلم عن الصحة النفسية، لازم نعرف إن الجسم والعقل مش منفصلين عن بعض. فيه تفاعل مستمر بينهم، وأي حاجة بتحصل في الجسم بتأثر على الصحة النفسية والعكس صحيح.
في الفترة الأخيرة، بقى في اهتمام كبير بالعلاجات الجسدية زي العلاج الحركي، والعلاجات دي بقى ليها دور مهم في علاج الاضطرابات النفسية زي التوتر، والقلق، والاكتئاب.. الفكرة إنها بتساعد الناس يحققوا توازن بين الجسم والعقل، وبالتالي بتحسن صحتهم النفسية والجسدية مع بعض.
اللغة كمان ليها عامل مُعقد حله بيساعد في علاج الصدمة.. ازاي؟!
الكاتب وضح إن اللغة اللي هي أداة التعبير عن الذات، ساعات بتتحول لعبء لما الواحد يمر بتجربة صادمة زي فقدان شخص عزيز أو موقف مؤلم، بيحس إن الكلمات مش كفاية علشان يعبر عن اللي جواه. ده بيخليه في عزلة نفسية، لما الشخص يتعرض لصدمة، زي فقدان حد عزيز أو تجربة مؤلمة، بيلاقي صعوبة في التعبير عن مشاعره بالكلمات. مش بيكون الموضوع إنه مش عايز يتكلم، لكن العقل والجسم بيخزنوا الذكريات بشكل مش واضح. يعني الشخص مش قادر يعبر عن مشاعره بسهولة، وده بيخليه يكتم مشاعره زيادة.
وعشان كده فيه أدوات تانية ممكن تساعد الشخص يعبر عن نفسه بعيداً عن الكلمات؛ زي الكتابة، الرسم، كلها وسائل قوية لتفريغ المشاعر من غير ما تحتاج كلام.
وطبعًا كل ما كان عندك علاقة روحانية بالله أعلى بيزيد وعيك بجسمك وده بيساعدك في تهدئة الجهاز العصبي وتحقيق التوازن الداخلي، وكمان في التعامل مع الذكريات الصعبة وإنك تعيش في اللحظة الحالية.
العلاج بالـ EMDR و IFS و Neurofeedback
بس خليني أقولك إن فيه ناس بتفتكر الصدمة مجرد ذكرى سيئة في الدماغ، حاجة ممكن ننساها ونكمل حياتنا عادي. بس الحقيقة مختلفة تمامًا... الصدمة مش مجرد فكرة، دي إحساس محبوس في الجسم، رد فعل عالق في المخ، خوف مبيت في العضلات، حاجة متغلغلة جوه الواحد حتى لو هو نفسه مش مدركها. وعلشان كده، فكرة إن "العلاج بالكلام" لوحده هو الحل، مش دايمًا بتكون كافية.
أوقات الواحد بيحكي حكايته مليون مرة، لكن برضه مفيش تغيير... كل ما يتكلم، يحس إنه راجع بالزمن لنفس اللحظة، كأن الكلام بيخليه يعيشها من جديد بدل ما يخرج منها. وهنا بييجي دور حاجة اسمها إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR)، ودي تقنية غريبة شوية بس فعّالة جدًا. بتخلي المخ يعيد ترتيب الذكريات الصعبة بطريقة تخفف الألم اللي فيها. كأنك بتشوف فيلم قديم كان بيخوفك، لكن المرة دي بتشوفه بمنظور جديد، ومن غير ما تحس إنه بيشدك لجواه!!
بس حتى لو المخ بدأ يفهم إن الماضي فات، الجسم ساعات بيكون لسه عايش في حالة طوارئ. القلب بيدق بسرعة على الفاضي، التنفس متلخبط، العضلات مشدودة كأنها مستعدة تجري أو تحارب أي خطر، حتى لو الشخص قاعد في أمان تام. وهنا بيظهر دور التأمل في الذات والتنفس العميق... ودا مش مجرد ممارسة تقليدية بتتقال في كل حاجه لأ أنا عايزك تشوفه كتمرين لاستعادة السيطرة. لما الواحد يبدأ يركز على نفسه، على نفسه وهو داخل وخارج، على إحساس جسمه بالحركة، بيبدأ يحس إنه مش مجرد راكب في عربية خارجة عن السيطرة، لا، ده هو اللي ماسك الدركسيون.
لكن المشكلة إن الصدمة مش بس في الجسم والمخ، دي كمان في الحوار اللي داير جوه عقل كل واحد فينا. أوقات بيكون فيه "جزء جواه" خايف، "جزء" غاضب، و "جزء" حاسس بالذنب... وكلهم بيتكلموا في نفس الوقت، عاملين دوشة متواصلة في دماغه. وهنا بييجي علاج الأنظمة العائلية الداخلية (IFS)، واللي بيعلم الشخص يسمع لكل الأصوات دي، لكن مش علشان يخاف منها، بل علشان يفهمها. بدل ما يكون في صراع داخلي، الواحد يتعلم إزاي يتعامل مع كل جزء جواه بحب وتفهم، وكأنه بيتكلم مع طفل صغير محتاج طبطبة مش عنف.
لكن حتى مع ده، ساعات المخ بيبقى عامل زي الراديو اللي إشارته مشوشة، كل حاجة فيه مش منتظمة. ممكن يكون في حالة تأهب طول الوقت، أو العكس، مش حاسس بأي حاجة خالص. هنا بقى التغذية الراجعة العصبية (Neurofeedback) بتدخل في اللعبة... ببساطة، بتخلي الواحد يشوف المخ وهو شغال، وده بيساعده يضبط إيقاعه، كأنه بيعمل "إعادة ضبط مصنع" لنظامه العصبي.
دور التمثيل والدعم النفسي في رحلة التعافي
وفي الآخر، حتى لو الواحد اشتغل على مخه وجسمه بيبقى فيه حاجة ناقصة... التواصل مع الناس. الصدمة بتخلي الواحد يحس إنه لوحده، وإنه مختلف عن كل اللي حواليه، وإنه مش فاهمهم وهم مش فاهمينه. وعلشان كده، فيه ناس بتلاقي الشفاء في المسرح، في التمثيل، في الحكي الجماعي. لما الواحد يقف على المسرح، يحكي قصته أو يمثل دور، بيبدأ يشوف حكايته من زاوية جديدة. بيحس إنه مش لوحده، وإنه قادر يتحكم في قصته بدل ما تفضل هي اللي متحكمة فيه.
فيه حاجة دايمًا بتتقال: "الوقت بيشفي كل حاجة"، لكن الحقيقة إن الوقت لوحده مش كفاية... اللي بيشفي بجد هو الحب، الاحتواء، والإحساس إنك مش لوحدك في العالم. الصدمة أكتر حاجة بتوجع فيها مش بس اللي حصل، لكن كمان إحساس العزلة اللي بييجي بعدها، الإحساس إن محدش فاهمك، وإنك تايه وسط زحمة الحياة اللي مش فارقة معاها وجعك. وهنا بقى، بييجي دور الدعم اللي حواليك... الأهل، الصحاب، وحتى المجتمع كله، كل دول مش بس بيهونوا الألم، دول بيساعدوا إن رحلة التعافي تبقى أسرع وأسهل.
لما الواحد بيتكعبل ويقع، أول حاجة بيحتاجها مش حد يقوله "قوم، إنت قوي!"، لكنه محتاج حد يقعد جنبه على الأرض، يحسسه إنه مش لوحده، حد يحضنه من غير ما يسأله "إنت لسه زعلان ليه؟"، حد يكون موجود، بس كده... وده اللي بنسميه الانتماء. الإنسان لما يحس إنه جزء من حاجة أكبر، من عيلة، من مجموعة، حتى لو من شخص واحد بس بيشاركه الألم، ده بيفرق جدًا. لإن أكتر حاجة بتوجع بعد الصدمة هي الوحدة... والوحدة دي مش دايمًا معناها إن مفيش ناس حواليك، لكن إنك تحس إن محدش شايفك بجد.
ولما تلاقي اللي شايفك وواخد باله منك، بييجي بعد كده الدعم العاطفي والنفسي... حد يسمعك، مش علشان يديك نصايح أو يحاول يصلّحك، لكن بس علشان يديك مساحة تعبر عن كل اللي جواك من غير خوف أو كسوف. فيه فرق كبير بين إنك تحكي لحد مستعجل عاوز يخلص الكلام بسرعة، وبين حد بيسمعك بقلبه، بيحس بيك حتى من غير ما تتكلم. الدعم ده مش رفاهية، ده حاجة أساسية في الشفاء. لإن الإنسان لما يحس إن مشاعره مقبولة ومفهومة، بيفتح باب جواه، باب كان مقفول بقاله كتير.
وأجمل حاجة في الدعم ده إنه دايرة... يعني مش بس إنك تاخد، لكن كمان مع الوقت تقدر تدي لحد غيرك. وده مش بس بيساعد الناس التانية، لكنه بيساعدك انت كمان. لما تمر بتجربة صعبة، وتخرج منها أقوى، تلاقي نفسك عندك القدرة إنك تكون النور في طريق حد تاني لسه بيحاول يلاقي طريقه. إنك تمسك بإيده، تقوله: "أنا عديت من هنا قبل كده... وإنت كمان هتعدي". وده أجمل شعور ممكن تحسه، إنك تبقى سبب في شفاء حد زي ما غيرك كان سبب في شفاءك.
أخضر بيقولك
في النهاية، أخضر بيقولك لو عندك صديق أو حد من قرايبك عنده اضطراب ما بعد الصدمة، فلازم تفهم أهمية دورك، في حياته، وازاي ممكن بكلمات وجمل بسيطة منك، تسرع رحلة شفاؤه، وتساعده حياته تتغير 180 درجة، في الآخر الكلمة الطيبة صدقة، فمتستخسرهاش في حد.