صباح الخير أيها الوحش: مُعالِجة نفسية تُشاركنا قصصًا باهرة عن التعافي

مقدمة
ايه رأيك لو قولتلك إن أنت فيه وَحش جواك؟ وحش ايه اللي جوايا يا أخضر؟
الوحش اللي بيخوفك وبيوجعك وبيخليك قلقان وبيحاول يسيطر على حياتك، عارف الوحش ده ممكن يكون ايه؟
الوحش ده ممكن يكون ذكريات من الطفولة، صدمات، أو حتى عيوب وتصرفات انت بتعملها ومش عارف ليه ومش عارف توقفها في نفس الوقت .. بس عارف الحلو ايه؟
أن الوحش ده ممكن يتروض ويختفي كمان بس الأول لازم تتعرف عليه وتواجهه ..
والدليل على الكلام ده كتابنا المبني عليه حلقة النهاردة: "صباح الخير أيها الوحش: مُعالِجة نفسية تُشاركنا قصصًا باهرة عن التعافي" لـ د. كاثرين جلِدِنر في الكتاب ده بتحكي الدكتورة عن رحلتها مع 5 من المرضى الخاصين جدًا والمميزين جدًا، كل واحد فيهم قرر يواجه الوحش اللي جواه ويتعافى وهنشوف رحلتهم المليانة تحديات وألم ومعاناة، لأ وفيها أمل كمان!! وهتعرف ليه الكتاب اسمه "صباح الخير أيها الوحش" بس خليك معايا للآخر..
بتحكي الدكتورة عن أول يوم فتحت فيه العيادة الخاصة بيها وقد ايه كانت حاسة بقوة المعرفة اللي عندها ومتطمنة بالقواعد اللي اتعلمتها وكانت مش قادرة تصبر انها تقابل المرضى عشان تعالجهم
ودلوقتي بتسترجع اليوم ده وبتقول إنها كانت موهومة .. Delulu زي ما بيقولوا يعني
لان ساعتها مكانتش عارفة كمية الفوضى اللي بيواجهها المعالج النفسي في شغله لأن كل يوم في معلومة جديدة وتغيير جديد والبشر مش نازلين بكتالوج وبالرغم من كل اللي اتعلّمته برضو كانت بتتفاجئ وتحتار، لأنها في الآخر بتتعامل مع انسان قرر أنه يسلمها حياته عشان تحسنها ودي ملهاش تعليمات ولا خطوات واضحة ..
وأخدت وقت على ما اكتشفت أن العلاج النفسي مش مجرد شخص بيحل مشكلة شخص تاني لأ؛ دول شخصين بيتكلموا مع بعض كل أسبوع عشان يوصلوا لحقيقة نفسية ممكن يتفقوا عليها ..
وقالت إن أحسن حد ساعدها على فهم الحاجات دي كانت مريضتها الأولى لورا ..
حكاية (لورا): ما يفعله الهجر بنا..
لورا بدأت العلاج النفسي لما كان عندها 26 سنة، كانت جميلة وناجحة وشغالة في شركة استثمارية كبيرة، لكنها كانت مصابة بعدوى فيروسية مصعّبة عليها حياتها وبعد فشل كل العلاجات الجسدية قررت تجرب العلاج النفسي، وكان هدفها الوحيد أنها تتخلص من العدوى وبس وعشان كده في الأول كانت بتقاوم انها تتكلم..
ومبدأتش تتكلم غير لما الدكتورة قالتلها إن الضغط النفسي ممكن يكون سبب هجمات الفيروس دي وأنها محتاجة مقابلات كتير عشان تعرف أسبابه وبالتالي تعرف ازاي تقلله ..
وشوية شوية بدأت لورا تتكلم عن باباها اللي أول ذكرى افتكرتهاله انها مرة وقعت وهي طفلة واتعورت فباباها وداها المستشفى وقالها إنه فخور بيها وبقوتها وانها مش بتشتكي ولا حتى عيطت..
وساعتها لورا فهمت أن الحب مشروط بعدم الشكوى وتحمل أي حاجة من اللي بتحبه …
وده يفسر أكتر اللي جاي .. باباها كان مدمن كحول وقمار ومش بيثبت في شغلانة، وبعد موت مامتها؛ باباها سابها هي واخواتها في بيتهم اللي كان مجرد كابينة في الغابة وقالهم هجيب سجاير وما رجعش!!
ساعتها لورا كان عندها 8 سنين، وقررت أنها متقولش لحد وتتحمل هي مسئولية إخواتها وعشانهم كانت بتسرق..
اتصدمت يا صديقي؟
عارف ايه الصدمة الأكبر بقى إن لما الدكتورة علقت على مشكلة الهجر دي من والدها؛ لورا دافعت عنه وقالت إنه كان مضطر وعارف انها هتتصرف .. دي كمان كانت حاسة بالذنب انها مكانتش أم كويسة لاخواتها..
تخيل بنت بالسن دا تكون مسؤولة عن إخواتها كإنها أم ليهم!!
وهنا الدكتورة عرفت ان لورا لسه مرتبطة بأبوها وعايزة تحمي نفسها من الشعور بالفقد والهجر..
بس طبعا حالها هي واخواتها مستمرش كتير والناس عرفت ونقلوهم مع عيلة جيرانهم بس لورا فضلت متعلقة بأبوها جدًا وكمان سامحته بعد ما رجع بـ4سنين وبقت هي واخدة دور المنقذ في علاقتهم كأنها هي ولية أمره وللأسف استمرت في الدور ده مع كل الرجالة في حياتها زي حبيبها ومديرها .. واترسخ عندها أن دورها انها تنقذهم ..
بس هل لما رجع أبوها كان كويس؟ لأ خالص ده بقى عنيف جدًا لدرجة أنه ضرب مراته الجديدة وزقها من ع السلم وماتت بس حتى ده لورا أنكرته وقالت إن الزوجة هي اللي وقعت لوحدها!
مشكلة الطفل اللي بيعيش مع أب مدمن أن الطفل مش بيكون عارف ايه الطبيعي وايه اللي مش طبيعي، فـ (لورا) مكانتش تعرف أن مش طبيعي طفلة عندها 8 سنين تكون هي أم وأب وكانت قاسية جدًا مع نفسها ومكانتش بتحب الهزار ولا التعاطف وفضلت حريصة على علاقتها بأبوها..
بس مع الوقت والعلاج قدرت الدكتورة أنها تقلل من دفاعاتها وتخليها تشوف الحقيقة، حقيقة باباها وواقعها والظروف اللي كانت فيها، وفعلا بدأت تقل هجمات الفيروس واتعلمت حاجات كتير عن نفسها وعن ازاي تحسن من جودة حياتها وبدأت تقرب من الناس وتثق فيهم وتشاركهم مشاعرها وتحط حدود مع اللي بيستغلوها.. لورا كانت مناضلة ..
ونفس الكلام مع بيتر .. المريض التاني ..
بيتر: عندما يغيب الحب في التربية
بيتر عازف بيانو صيني عنده 34 سنة، جه للدكتورة عن طريق دكتور مسالك بولية متخصص في العجز الجنسي، بيتر برضو كان جسديًا زي الفل بس مفيش فايده، فالدكتور حوله لجيلدينر لأنه شك أن المشكلة نفسية؛وفعلًا هي كدا للأسف.
بيتر حكى إن ابوه وأمه هاجروا لكندا من فييتنام وهم صغيرين وعنده اخت واحدة وكمان ابوه مات وبيتر لسه طفل..
بس وفاته كانت أشبه بانتحار؛ لأن الأب كان عنده مرض السكري، وزوجته (اللي هي والدة بيتر) كانت بتعمل حلويات يوميًا وبتقول إن خلاص وقت موت الراجل دا قرب لحد ما تخن ومبقاش قادر يمشى وجاله اكتئاب ومات؛ وساعتها الأم قالت أن موت الأب كان أحسن للأسرة ..
أيوة الدكتورة كمان اتصدمت من رد فعل مامته كده ولما وصفت سلوكها بالقاسي بيتر اتضايق ودافع عنها، وقال انها كانت دايمًا بتعمل الأفضل للعيلة .. والأفضل ده من وجهة نظرها أنها كانت بتحبس بيتر في مكان مقفول في المطعم بتاعهم كل يوم لوحده من وهو عنده سنتين لحد ما بقى عنده 5 سنين!
لما سمعت الدكتورة الكلام ده حست أنها قدام حالة نادرة، راجل فضل محبوس معظم المرحلة الحرجة في حياته، المرحلة الخاصة بالتعلق والترابط والنمو اللغوي والعاطفي وللأسف المرحلة دي مش بتتعوض .. ومش بس كده دي كمان كانت بتضربه وتهينه..
والشيء الوحيد اللي هوِّن عليه كان بيانو لعبة حد نسيه في المطعم وكان البيانو ده هو صديقه الوحيد وسماه (بيتر الصغير) بس برضو امه في لحظة غضب كسرته ورمته من البلكونة..
ولما خرج من العزل ودخل الحضانة سقط فيها لأنه مكنش بيتكلم لا صيني ولا انجليزي لأن مكنش حد بيكلمه أصلا وكان بيخاف من التواصل البصري، وبيكره ان حد يبقى قريب منه وخايف من الأطفال.
بس ده طبعًا مش ذنبه لأن فاتته مراحل كتير مهمة وده لأن أمه كانت عاجزة عن إنها تحبه حب مباشر .. بس بالرغم من كل ده فضل بيتر ملتمس لها العذر وفضل طيب ورحيم جدًا..
بس كان عنده مشكلة في القرب مع الناس وكان بيحس بقلق شديد وبيمر بنوبات بيحس فيها أنه خرج من جسمه والدكتورة شكّت ان النوبات دي أساس عجزه الجسدي ..
فكان الهدف من العلاج هو بناء "الأنا" اللي أمه هدِّتها بأنها فضلت سنين تزرع جواه إنه شخص غبي وكسول ومفيش منه فايدة، ورغم إن الأنا ده مفهوم مُجرَّد إلا أنه شبه البيت اللي بيحمي الواحد من ضغوط العالم الخارجي وبيحتمي فيه، لكن بيتر بيته كان من قش فلما كان حد بيقرب منه بأي طريقة كان بيسيب جسمه ..
بعدها الدكتورة شجعته إنه يتكلم معاها عن تصرفاتها معاه وهو صغير، واكتشف إن أمه كانت متعرضّة لصدمة كبيرة في طفولتها، وإنها كانت مجبرة تشتغل في مكان للعلاقات غير المشروعة وبشكل عنيف وسادي فكانت بتتعرض لتعذيب وأذى جسدي.. وبالتالي كانت أم بيتر شايفه إنها لما بتقفل على ابنها بعيد عن زباين المطعم ده كان عشان تحميه وتخليه ميشوفش اللي هي شافته في حياتها!!!
وأخيرا فهم بيتر ان تصرفات امه معاه ملهاش علاقة بيه هو شخصيًا أو نتيجة لكراهية مثلًا؛ ولكن كان بسبب طفولتها المأساوية .. وإن من وجهة نظرها هي كانت بتعمل اللي شايفاه الأفضل لعيلتها، بس برضو ده مينفيش أنها أساءت لبيتر وأهملته..
بيتر كان بطل وبطوليته اتجسدت في قدرته على الغفران، بعد كل ده قدر يسامح مامته وحقق أقصى سلام ممكن معاها وبدأ يحط حدود له مع الناس، ويكون أكثر ارتياحًا من ناحية العلاقة الحميمية.
كده خلصت حكاية بيتر، دلوقتي بقى جه دور داني..
داني: بطل قاوم تبدد الذات
داني راجل ضخم عنده 40 سنة من شعب الكري Cree ودول مجموعة من السكان الأصليين في كندا اللي حياتهم معتمدة على أنهم يعيشوا في الأدغال وعلى صيد الحيوانات، داني كان سواق نقل لشركة شحن كبيرة واللي بعته للدكتورة المدير نفسه لأنه عرف منه ان مراته وبنته ماتوا قريب لكن مش باين عليه أي حزن، وكان داني مهم عنده لأنه سواق شاطر وأمين وشجاع فرشحله العلاج النفسي وبعد أسابيع من الإلحاح وافق ..
بس داني قعد أول 3 شهور ساكت خالص ولما الدكتورة قالت له أنها عايزة تخفف ألمه قالها انه مش حاسس بأي ألم ولا مخبيه حتى، بس شوية شوية بدأ يحكي..
داني كان من عيلة كلها صيادين وكان بيحب عيشتهم جدًا وفي يوم وهو عنده خمس سنين، دخل البيت رجلين بيض وقالوا انهم هياخدوا داني واخته لمدرسة داخلية ولو أهلهم رفضوا هيتسجنوا وأخدوهم فعلا ..
المدارس دي بقى كانت جزء من سياسة متعمدة عشان تمحو ثقافات ولغات الشعوب الأصلية وتفرض الثقافة الغربية عليهم، ولما وصل المدرسة لقى على شبابيكها قضبان وفصلوه عن أخته وحلقوله شعره، واستغرب لأن في ثقافته قص الشعر ده وسيلة عقاب بس داني مكنش فاهم بيتعاقب على ايه؟
وبعدين كل طفل أخد زي موحد ورقم كأنهم مساجين وقالولهم إنهم مش هيبقوا هنود تاني وانهم هيبقوا مواطنين كنديين بيتكلموا انجليزي ومش هيتكلموا اللغة الكرية تاني .. وفعلا لما نادى على اخته مرة واحدة بلغتهم اتضرب جامد ودخل المستشفى ومن ساعتها منطقش كلمة باللغة الكرية ..
ومش بس كده ده كمان اتعرض لإساءات جنسية بشعة ومتكررة من المدرسين البيض ولما طلع من المدرسة حس بانفصال عن أهله اللي حالهم اتدهور ولجأوا للخمور بعد ما الرجل الأبيض هدم حياتهم..
اللي حصل في طفولة داني اتسبب له في حالة "تغريب عن الذات أو تبدد الشخصية" يعني كان بيكبت مشاعره عشان يقدر يكمل وده اللي منعه من الحزن على زوجته وبنته..
بس المشكلة ان العلاج بيرجّع كل المشاعر المكبوتة دي وبيحسس الشخص انه محاصر في الظروف الصعبة اللي خليته يلجأ لكبت مشاعره أو "تجميدها" على حسب تعبير الدكتورة .. وعشان كده لما بدأ داني يحس بمشاعره تاني، دخل في اكتئاب شديد، وكان بيفوت مواعيد الجلسات، بس الدكتورة خليته ياخد مضادات اكتئاب، وده ساعده يتعافى...
داني كان بطل .. لأنه قرر انه مش هيغرق في الكحول زي أهله وحاول يبقى أفضل نسخة من نفسه وبدأ يحس بقيمة نفسه ويميز مشاعره ويعبر عنها .. والدكتورة كمان شجعته يعيد التواصل بأصوله الهندية وخصوصًا أن ثقافته فيها جانب روحي مهم، وحصل ورجع يتعلم لغته من جديد وبقى نشط جدًا في مجتمعه وساعد كتير زيه..
الحقيقة أن عظمة الإنسان تفوق كل شر ممكن يتعرض له..
ودي كمان قصة ألانا ..
ألانا: اضطراب تعدد الهوية
ألانا واحدة من أكتر المرضى اللي جيلدينر وصفتهم بالمميزين، أصل ألانا لما راحتلها كان عندها 35 سنة، وبتشتغل في مكتب محاماة، بس بتعاني من أعراض جسدية شديدة مرتبطة بالتوتر والهلع، وكانت بتتقيأ بشكل لا إرادي..
تفتكر ليه يا ترى؟ نرجع للطفولة ..
ألانا رباها أبوها هي وأختها، بس أبوها كان مدمن خمور ومخدرات ولفق لأمها تهمة انها بتبيع مخدرات وفقدت حضانتهم.. ابوهم كان سادي وسيكوباتي ونرجسي وكمان مُغتِصب..
كان بيعتدي على ألانا جنسيًا من وهي عندها 4 سنين وكان بيهددها أنه هيعمل كده مع أختها لو مستجابتلوش وكان بيجبرها تجرب المخدرات كمان.. وحتى لما راحت تعيش مع جدتها أم أبوها كانت بتنيمها في الجراج وتضربها وبلاوي سودة تانية..
لدرجة أن ألانا وهي عندها 8 سنين حاولت تنتحر، تخيل طفلة تفكر في أنها تنهي حياتها لأنها تعبت؟
بس في آخر لحظة قررت أنها تكمل عشان تحمي أختها الصغيرة..
بس وهي عندها 14 سنة قابلت مامة صاحبتها الطيبة وعزمتها عندها في البيت لكن مكانتش عارفة تقعد من انتهاكات والدها الجسدية وكانت الأم دي سمعت عن أبوها فكلمت البوليس ولقوا مخدرات وفيديوهات إباحية بتضم أطفال وأسلحة مش مرخصة ولقوا طفلتين يا عيني متبهدلين وساعتها أخدوهم ومشافوش أبوهم من ساعتها ..
بس عاطفيا وكمشاعر مقدرتش تتحرر من الأب خصوصا أنه كان بيتلذذ بأنه يتلاعب بيهم ودايمًا بتسمع صدى صوته في دماغها اللي بيقولها انها فاشلة وغبية ومش هتنجح وكل ما زاد الضغط عليها بيزيد الصوت ..
وبعد فترة كبيرة وبعد تغير أحوال ألانا وطريقة كلامها بدأت الدكتورة تشك أنها مصابة باضطراب تعدد الهوية .. وده معناه أن الشخصية الأساسية بتفتقر مهارات حياتية معينة زي التعبير عن الغضب أو تقدير الذات فبتطلع شخصيات جديدة تجسد الصفات دي ..
ولما سألتها الدكتورة عن الموضوع قالت أنها بتستخدم شخصيات متعددة فعلا حسب الموقف.. يعني لما طلبت الطلاق من جوزها استخدمت شخصية كلوي اللي بتقدر تواجه وممكن تزعق وتكون قاسية على عكس ألانا..
وكان عندها شخصيتين كمان والتلاتة كان هدفهم التقليل من سطوة أبوها على دماغها.. كلوي كانت بتزعق فيه والتانيين يسخروا منه ..
فاشتغلت ألانا مع الدكتورة على أنها تتخلص من الشخصيات دي وتحاول تدمج الصفات اللي بيجسدها كل واحد في شخصيتها عشان تبطل تحتاجهم واشتغلوا كمان على استراتيجيات التكيف زي فرض الحدود وتعلم توكيد الذات والتواصل مع مشاعرها..
ومع الوقت..ده حصل فعلا وقل صوت أبوها.. وبقت أحسن مع أختها ومامتها وحياتها اتحسنت وكلوي مظهرتش تاني ..
آخر مريضة بقى هنحكي عنها هي مادلين..
مادلين: صباح الخير يا وَحْش
ماديلين كانت آخر مريضة اشتغلت معاها الدكتورة وده بعد إلحاح والد مادلين على الدكتورة ..
الأب قالها إن مادلين بتعاني قلق شديد ومكملتش 40 سنة حتى وبتعاني من 4 أنواع من السرطان!
ماديلين كانت تاجرة في التحف القديمة، ونجحت في تأسيس وإدارة مشروع كبير لتجارة التحف، لكن مع الوقت، القلق والتوتر عندها بقى فوق طاقتها، وده أثر على الشغل كله.. وكانت جلساتهم في مكتب مادلين..
مادلين قالتلها على طول انها محطمة وان طول حياتها كان عندها قلق وسلوكيات وسواسية قهرية بس من سنة بقى اتطور عندها خوف شديد وغير منطقي من الطيران، كانت متأكدة إن الطيارة هتتحطم لو هي أو حد من موظفيها ركبوا الطيارة وطبعًا شغل كتير ليهم اتعطل بسبب كدا..
وبعدين بدأوا يتكلموا على طفولتها وكانت المشكلة في الأم ..
أمها دوقتها هي وأبوها الأمَريِّن، كانت بتعاملها بقسوة شديدة جدًا وكانت كل يوم تصحيها بكلمة: "صباح الخير يا وَحْش".. وطبعًا وحش هنا مش زي ما احنا بنقولها مدح لأ هي كانت تقصد إنها مسخ مخيف.. وكانت بتحرمها من الأكل عشان تفضل رفيعة، وكانت دايما بتنتقدها لو الدنيا مش مثالية وده عزز عندها إدمان الشغل، وكانت أي مصيبة تعملها تجيب اللوم على مادلين حتى لما كانت بتتأخر عليها في المدرسة كانت تقولها ما هو بسبب وشك العكر، والموضوع اتطور إلى أن الأم قتلت الكلب بتاع مادلين وكانت بتخون أبوها ..
وأبوها ده كان غلبان كان بيحب مادلين بس مش قادر يحميها لأن هو شخصيا كان بيخاف من مامتها والاتنين كانوا بيستخبوا منها..
وللأسف من كتر انتقاد أمها لها ووصفها بالوَحْش والمسخ بقت حاسة انها مسخ فعلا وأنها تستحق أن الدنيا تبوظ ومن كتر الضغط اللي حاسة بيه جهازها المناعي اتدمر ومش قادر يقاوم السرطان ..
واكتشفت الدكتورة أن الخوف من الطيران ظهر لما حبت زميلها في الشغل وخافت عليه لأن اللي راعبها حقيقي أنها تحب وتتحب لأن الحب هو اللي سبب لها الهجر والإحباط .. أمها كانت تعمل فيها كل عملة والتانية وتقولها أنا مش بعمل كده غير عشان بحبك .. وعشان هي شايفة نفسها مسخ فأكيد محدش هيقدر يحبها ومكانتش قادرة تجازف بألم وفشل جديد في الحب ..
وبالرغم من كل اللي عملته والدتها إلا إن مادلين كانت بتوِّدها وتساعدها لأنها لسه في السن ده عندها أمل انها هتحبها المرة دي .. بس أمها كانت عاجزة عن حبها لأنها عارفة ان بنتها محتاجة حاجة هي مش قادرة توفرها..
بس مع الوقت قدرت هي و الدكتورة يفككوا التأثيرات السلبية اللي سببتها أمها وفهمت في الآخر أنها مكانتش وَحْش، هي كانت مجرد طفلة عندها أم غير قادرة على الحب.
ودلوقتي مادلين اتحسنت وعبّرت عن حبها لزميلها وخوفها من الطيران قل وسرطاناتها مرجعتش تاني بعد ما انتصرت على المرض..
كل الحالات دي بتوصفهم الدكتورة بأنهم أبطال لأنهم كانوا شجعان كفاية أنهم يواجهوا الوحش اللي جواهم ويبذلوا الجهد اللازم عشان يحققوا النمو ويتعاملوا مع صدمات طفولتهم ويتغلبوا عليها.. ومع بعض قدروا يغيروا حياتهم تمامًا..
أخضر بيقولك
علشان كدا أخضر بيقولك : طول مانت عايش فيه فرصة للتعافي والتحسن والنمو، بس المهم أنك متخافش تقول للوَحْش أنه وَحْش في عينه..
ولما تبدأ رحلتك، خليك فاكر الحاجات دي:
- سمِّي مخاوفك بأسمائها: التجاهل مش هيحل المشكلة، المواجهة هي أول خطوة للعلاج.
- وافصل بين ماضيك وحاضرك: يعني صدمات الطفولة مش لازم تتحكم في مستقبلك، اللي حصل مش ذنبك، لكن مسؤوليتك إنك تتعامل معاه.
- كمان اشتغل على نفسك بإنك تبني عادات صحية: التغيير مش قرار لحظي، لكنه رحلة بتبدأ بخطوات صغيرة زي الكتابة عن مشاعرك، التأمل، أو حتى العلاج النفسي.
- ومتنساش.. خلي حواليك ناس داعمين ليك: الوحدة بتقوي الوَحْش الداخلي، لكن وجود ناس بيدعموك بيساعدك تواجهه.
- أخيرًا.. افتكر أن الألم مش دليل على الضعف: كل مرة تحس إنك مش قادر، اعرف إنك أقوى بكتير مما تتخيل، والتعافي بييجي مع الصبر والاستمرار.
وبس كده.. سلام ^^