صناعة مواطنين سعداء: كيف يتحكم علم وصناعة السعادة في حياتنا

مقدمة
كان فيه شخص فقير اسمه كريس غاردنر
بيبيع أجهزة طبية أي كلام
وبيحاول يحقق حلمه في توفير حياة كريمة لابنه
كريس بيعاني من ظروف صعبة جدًا
مش قادر يدفع الإيجار
ومراته بتسيبه عشان فقير
فبيتشرد هو وابنه وبيناموا في الملاجئ وأحيانًا في حمام محطة القطر
بس في يوم من الأيام وبالصدفة
بيلاقي فرصة تدريب غير مدفوع الأجر في شركة استثمار
وقال إن خلاص كدا لقى فرصة يحقق بيها أحلامه
بيتقدم متدربين كتير عشان ياخدوا فرصتهم
بس واحد منهم بس هيحصل على الوظيفة
وعشان كدا بيشتغل كريس ليل ونهار في ظروف صعبة جدا
وفي النهاية، كريس بينجح، بياخد الوظيفة، وحياته بتتغير للأفضل
وبيوصل للسعادة
القصة بقت رمز للسعي والنجاح
واتعمل منها فيلم pursuit of happiness
السعي وراء السعادة
آه بالظبط الفيلم بتاع ويل سميث
القصة بتعبر عن الحلم الأمريكي
و إن السعادة هدف ممكن يتحقق بالصبر والاجتهاد مهما كانت الظروف
بس السؤال..
ليه السعادة اتصورت إنها مرتبطة بالنجاح والشغل والفلوس؟
وازاي المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في الفيلم
زي الفقر والتشرّد اتصورا كإنهم تحديات ممكن ننتصر عليها؟
هل سعادة كريس قرار فردي زي ما الفيلم بيصوره؟
ولا موضوع السعادة أكبر من كده شويتين؟
كل ده هنعرفه النهاردة في حلقتنا المبنية على كتاب
Manufacturing Happy Citizens: How The Science and Industry of Happiness Control Our Life
صناعة مواطنين سعداء: كيف يتحكم علم وصناعة السعادة في حياتنا
من تأليف:
إدغار كاباناس وإيفا إيلووز
ايه بقى حكاية صناعة مواطنون سعداء دي؟!
ولادة علم النفس الإيجابي
في يوم من الأيام
كان دكتور مارتن سليجمان واقف مع بنته بيسقي الزرع في حديقته الجميلة
وزي ما والدك بيتعصب لما تمسك الكشاف غلط وانتو بتصلحوا كهربة البيت
مارتن بردو اتعصب من بنته
لإن العُشب الضار اللي شالوه من التربة
هي بتجمعه وترميه تاني على الزرع
فقالها: ايه يا بنتي الغباء ده!
دي مش تصرفات طفلة كبيرة عندها 5سنين
بنته بصت له شوية كده وهي ساكتة
وقالت له…بابا
لا معيطتش لا ^_^
قالت له: بابا
مش أنا قدرت أبطل زّن وعياط؟
يبقى انت كمان تقدر تبطل زعيق وعصبية لو قررت ده.
طبعا مارتن استغرب!!
البنت دي فعلا بنت رئيس جمعية علم النفس الأمريكية
اللي هو كان ماسكها في سنة 1998م
اللحظة دي ألهمت مارتن
وبدل ما يقولها ادخلي أوضتك يا بنت
فكّر؛ هو ليه علم النفس بيركز على إصلاح عيوبنا وأخطاءنا بدل ما ينمي ويحسّن الإيجابيات اللي عندنا
علشان نحقق السعادة والرفاهية؟
وقالك بس أنا عرفت الحل
أنا هأسس علم النفس الإيجابي
وعود علم النفس الإيجابي
والعلم ده قدّم 5 وعود للناس
أول وعد: إن السعادة هدف قابل للتحقيق عادي
وتاني وعد: إننا هنطور المهارات الإيجابية للشخص زي الذكاء العاطفي والتفاؤل
وتالت وعد: هو إعادة تعريف الرفاهية النفسية
خلاص الرفاهية النفسية هتبقى معتمدة على الامتنان والتأمل وممارسة التفكير الإيجابي ودي كلها حاجات داخلية الشخص يعملها من نفسه
أما رابع وعد لعلم النفس الايجابي هو تمكين الأفراد من السيطرة على حياتهم
السعادة والرفاهية دول قرارات شخصية وحالة ممكن توصل لها أيًا كانت ظروفك ايه.. يارب حتى تبقى عايش في سرداب ولا قبو وبتاكل ورق شجر
والوعد الأخير بيقولك:
أنا أقدر احققلك السعادة في كل جوانب الحياة
شغلك، بيتك، صحتك، علاقاتك وحتى أزماتك
يعني باختصار أنا كعلم نفس إيجابي معايا شفرة الحياة اللي هتحل كل حاجة!!
انتشار علم النفس الإيجابي
وبدأ مارتن يروّج لعلم النفس الإيجابي
ونجح إنه ياخد دعم وتمويل مادي من مؤسسات وشركات كبيرة
زي مؤسسة تمبلتون "Timbelton"
علشان يبني مراكز لعلم النفس الإيجابي
واستغل الشو الإعلامي المعمول علشان ينشر خطابه بلغة العلم
وأقنع أغلب الناس إنه ده مش أي كلام
لا يا بيييه
أنا معايا دراسات ومقاييس نفسية
علشان ينتشر علم النفس الإيجابي في العالم كله في مطلع الألفينات
وبدأ تدخل مبادئه ونظرياته في التعليم والشغل وكتب التنمية البشرية
ونط في برامج الأكاديميين وورش الدكاترة وايفينتات اللايف كوتشز "Life Coaches"
وبقى جزء أساسي من الثقافة العالمية النفسية المعاصرة
ليه علم النفس الايجابي انتشر ؟
- أما قصة يا أخضر.. أكيد الناس لقوا أخيرا الحل لكل مشكلاتهم
علشان كده علم النفس الايجابي انتشر واتوسع عالميا للدرجة دي..
أما أروح أقرأ كتابين عنه بقى
خد هنا يا صديقي
علم النفس الإيجابي محلش المشكلة
- أومال المؤسسات والشركات والحكومات دعمته ليه؟
أقولك علشان بيدعم قيم النيوليبرالية
وبيبرر ممارسات الرأسمالية
- يعني ايه بقى الكلام الكبير ده يا أخضر؟
فاكر يا صديقي اللي حصل في سنة 2008م
لا، غير إن مصر كسبت كأس أمم أفريقيا
أنا بتكلم عن أزمة الركود الكبير
اللي قفلت بنوك
وفلّست دول
ودمرت عائلات
ورفعت مستويات البطالة العالمية لأرقام خرافية
في الأزمات دي
الخطاب اللي بيتقال للناس هو كالتالي:
"اعتمدوا على نفسكم
اشتغلوا أكتر
طوّروا مهاراتكم
اتعلموا برمجة
أنتوا سبب الأزمة وحلها في نفس الوقت"
شوفت بقى معنى النيولبيرالية
مهما الشركات والمؤسسات تخرب الدنيا برة بسياساتها الاقتصادية الجشعة
فأنت بردو المسؤول عن سعادتك وتعاستك
بايدك تبقى غني أو فقير
الكلام ده سمعناه فين قبل كده؟
أيوة، في علم النفس الايجابي
ومن هنا بدأ التعاون بين المؤسسات الرأسمالية وعلم النفس الايجابي
لازم نقنع الناس إنها تركز على عالمها الداخلي
وتحاول تحسّن ظروفها الفردية
بدل ما يبصوا وينتقدوا الوضع العام
وعيوب السياسات الاقتصادية
أو يركزوا على العوامل الخارجية
اللي هي أصل المشكلة
علشان تنتشر تقنيات زي التأمل
ومصطلحات زي المرونة النفسية
وبرامج تعليمية زي SEAL و PERMA
لتدريب الطلاب على إدارة مشاعرهم وتطوير تفكيرهم الإيجابي
أنت المشكلة وأنت الحل
بص في ورقتك
ملكش دعوة بيحصل ايه برة
السعادة شرط وواجب
في وسط الأزمات والدوشة دي كلها
بيجي الجماعة بتوع ال HR علشان ياخدوا حتة من التورتة
فيقول يلا يا جماعة عندنا النهاردة ميتنج مهم في آخر اليوم
وأنا جمعتكم النهاردة علشان نتكلم عن هدفنا الفترة الجاية في الشركة
وهو السعادة
السعادة مش مجرد شعور
الموظف السعيد هينتج أحسن
هيشتغل أحسن
وهيبدع أحسن
وعلشان كده
هنعمل ورش عمل عن التفاؤل
وجلسات تأمل
وبرامج لتطوير المرونة النفسية
وكورنر على جمب كده للي عايز يعيط في البريك
وافتكروا إننا هنا أسرة مع بعضينا
طبعا انت كموظف في الشركة هتستغرب
انت مش بس مطالب تحقق التارجت العادي اللي هو أصلا مش بتوصله
لا ده انت كمان لازم تبقى سعيد وعندك مرونة نفسية علشان تتحمل ضغوطات العمل
وتواكب تغيرات الشغل السريعة
ولو فشلت أو اشتكيت
هيبقى العيب منك
أنت مش مرن كفاية
مش بتفكر بإيجابية كفاية
اه علم النفس الايجابي بيقول كده
الله يخربيتِك يا نيكي "NiKki"
نيكي دي يا صديقي اللي هي بنت مارتن سليجمان اللي في أول قصتنا
فين أيام زمن الشغل الجميل
كان الواحد ينجح في شغله فيبقى سعيد
دلوقتي لازم تبقى سعيد علشان تنجح في شغلك
وإلا هتحس بالذنب وعدم الكفاية ومش هتبقى راضي عن أدائك
طب وظروف الشركة؟
والعيوب الخارجة عن ارادتنا ومنقدرش نتحكم فيها في الشغل؟
والظلم وعدم المساواة والأجور المنخفضة أصلا
ولد!! فكّر بإيجابية، أنت عايز تخرب بيتنا ولا ايه!!
السعادة سلعة ممكن تشتريها
لو طلعنا من بيئة العمل وبصينا على نماذج النجاح اللي بتتصدر لنا
هنلاقيها شبه قصة آمي كلوفر
ودي بنت عادية بتعاني من الاكتئاب والقلق
بسبب حياتها اللي مليانة صراعات نفسية
حاولت تلاقي الحل بأنها تهرب من كل دا وتتجه للكحوليات وحبوب التخسيس
لكن ده خلى حياتها تتدهور أكتر
لحد ما وصلت لنقطة صعبة
وهنا عرفت آمي إن حياتها محتاجة تغيير جذري
قررت تواجه مشاكلها بشجاعة بدل ما تهرب منها
فبدأت تغيّر عاداتها اليومية
وتحاول تسيطر على مشاعرها وأفكارها
وتوجههم بطريقة إيجابية
وبعد 7 سنين من المجهود المستمر من الفشل والمحاولة
تحوّلت آمي لشخصية مشهورة في العالم الرقمي
بقت لايف كوتش
بدأت تشارك قصتها ومعانتها ونجاحها مع العالم
علشان تلهم الملايين في تغيير حياتهم البائسة
ورسالتها كانت واضحة:
"لو مكنتش سعيد، فحياتك محتاجة تغيير
لإن الحياة قصيرة جدا"
وفي رحلة آمي العلاج النفسي جزء أساسي
وطبعا للمرة الألف
السعادة والصحة والرفاهية بتتقدم على إنها نتيجة اختيارات شخصية
محتاجة عملية مستمرة من تحسين الذات
ومش نتيجة ظروف محيطة وعوامل خارجية
وهنا بقى يجي دور السوق
مش انت عايز سعادة؟
طب تشتريها مني بكام؟
بص بقى يا صديقي
عندك مجموعة متنوعة من الخدمات والمنتجات والتطبيقات
اللي هدفها تحسين الذات والعناية بصحتك الجسدية والنفسية
كتب، أدوية، مستحضرات تجميل
دورات تدريبية، تطبيقات رقمية زي Happify
كل دي أدوات هتساعدك في الوصول للسعادة
بسرعة وبجهد بسيط
بس انت تشخلل جيبك
طب ولو موصلتش للسعادة؟
والله دي مش محطة وصول
دي رحلة مستمرة
انت مش عارف إن الكنز في الرحلة ولا ايه؟!
السعادة هي الحالة الطبيعية
وعلشان أحقق سعادتي كأخضر
أخدت قرار أخّرته كتير
بسبب الحلقات المتراكمة والديدلاينز
لكن خلاص
السعادة قرار شخصي
أنا قررت إني أبقى مذيع شارع
وروحت واخد المايك ونازل أكلم المواطنين العاديين
وورايا مدحت صاحبي بيصور بالآيفون بتاعه
علشان ننزلها على بيدج "سألنا الناس وجاوبوا"
وأبقى تريند
المهم
سألت أول مواطن عادي
نفسك في ايه؟ بتحلم بايه؟
قالي أبقى سعيد
نعديها وندخل على المواطن اللي بعده
يقولي أوصل للسعادة
وكإن السعادة دي بقت الحالة الطبيعية
اللي لازم كلنا نوصلها
مش حالة شخصية مؤقتة
نتيجة أفعال وظروف متشابكة
طب والحزن والغضب والقلق يا بيه؟
بقوا مشاعر سلبية
لازم نتخلص منها في أسرع وقت
مع إنها المفروض جزء من الطبيعة الإنسانية بردو
وممكن نقعد شوية زعلانين ومتصالحين مع ده
من غير ما نحس بالذنب أو عدم الكفاية
وفي آخر رحلتي في الشارع
عرفت إني مليش غير أخضر
بيتي وعيلتي مهما هلف هرجع له
هروح فين يعني؟
السعادة عبء
وبمناسبة قرار عودتي
اسمحلي أحكيلك قصة رمزية بسيطة عن السعادة
تخيّل في يوم من الأيام
حد عزيز عليك جاب لك ساعة غالية هدية
في الأول هتبقى فرحان وفخور بالهدية الغالية
بس مع الوقت
الساعة الغالية هتتحول لعبء
خايف عليها تتكسر
قلقان لو باظت
حريص عليها من السرقة أو إنها تتخبط
الحفاظ على الساعة بقى مسؤوليتك وهدفك
الساعة هنا في قصتنا تشبيه للسعادة
اللي علم النفس الايجابي أهداها للعالم
بس في الحقيقة
هنلاقيه بيحمّلك عبء جديد
قال يعني انت ناقص أعباء
ما كفاية اللي عندك
بس لا خد السعادة كمان عبء معاك
تخيل إنه مش كفاية تبقى قاعد حزين وقرفان
ده انت كمان شايل همّ انك مش سعيد
هو في ايه؟
الله يخربيتك يا نيكي
ده احنا كده ركنّا الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على جمب
لو مش سعيد
اشتغل أكتر
لو فقير
اتعلم مهارات جديدة
لو مضغوط وقرفان
تأمل شوية أو اقعد مستكنيص واعمل الولا حاجة..
كل حاجة بقى ليها منتج أو خدمة أو تقنية فردية
كل حاجة بقت مسؤوليتك يا مواطن يا سعيد
مفيش ظلم ولا فقر ولا حرامية
ولا شركات بتسرق عمر وصحة الناس
لا لا لا لا
فكر بإيجابية!!
الخروج من فقاعة السعادة
في نهاية قصتنا مع السعادة
طبعا انت مستني مني الحل
ليه؟
لإنك متعود على الحلول الفردية الجاهزة
اطمن يا صديقي
حلول النهاردة مفيش ولا واحدة فيهم تقدر تطبقها لوحدك دي محتاجة مننا وعي مجتمعي وشغل كتير..
أول حل هو إعادة تقييم المشاعر السلبية
مشاعر زي الغضب والحزن
جزء أساسي من الطبيعية البشرية
ومحرك لتغيير الظروف الاجتماعية
وأحيانا بتبقى هي السلاح الوحيدة ضد الظلم
أما تاني حل فهو التركيز على بناء عدالة اجتماعية
بتدي للناس أمل جماعي حقيقي
مش شوية مسكنات فردية
بتركز على تحسين الذات والمهارات
وآخر حل هو الخروج من فقاعة السعادة
السعادة مش حل لكل المشكلات
ولا حالة مثالية لازم نوصل ليها
دي وهم وخدعة الشركات والحكومات بتروج لها
علشان تفضل تكسب من ورا الصناعة دي
فوق يا صديقي الله يرضى عليك
وبس كده.. سلام